...

في أكتوبر 2025، اهتزّ النظام السياسي في الصين على وقع زلزالٍ يوصف بأنه أكبر عملية تطهير عسكرية منذ الثورة الثقافية. تسعة من كبار الجنرالات، بينهم نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية خه ويدون – الرجل الثاني في هرم جيش التحرير الشعبي بعد شي جينبينغ – طُردوا من الحزب الشيوعي وأُحيلوا إلى التحقيق بتهم «مخالفات انضباطية خطيرة» و«جرائم مالية ضخمة».

لكن ما يجري ليس مجرد قضية فساد. إنه تشريح عميق لجسد النظام السياسي الصيني المعاصر. فخلف العبارات الجافة تكمن قصة أكبر بكثير: عن هشاشة النظام وصلابته في آن، عن خوف السلطة من استقلال المؤسسة العسكرية، وعن انعكاس الصراعات الداخلية في بكين على موازين القوى العالمية.

زلزال في المؤسسة العسكرية

شهدت بكين أوسع حملة تطهير في صفوف جيش التحرير الشعبي منذ عقود. فقد أقدمت القيادة على طرد تسعة جنرالات من الحزب ومن القوات المسلحة، في خطوة وُصفت بأنها الضربة الأقوى للنخبة العسكرية منذ عهد ماو تسي تونغ. ورغم أن البيان الرسمي تحدّث عن «حملة ضد الفساد»، فإن الصياغة تخفي خلفها بعداً سياسياً واضحاً: ليست المسألة حرباً على الرشاوى، بل إعادة هندسة لمراكز القوة داخل الجيش بهدف إحكام قبضة شي جينبينغ وتحويل المؤسسة العسكرية إلى أداة طيّعة في يده.

تأتي هذه التطهيرات قبيل انعقاد دورة مهمة للجنة المركزية للحزب، يُفترض أن تحدد الأولويات الاقتصادية للسنوات المقبلة وتقرّ تشكيلة جديدة للقيادة العليا. ويبدو أن شي أراد أن يسبق الاجتماع بخطوة استباقية: القضاء على أي بؤر نفوذ قد تشكّل تهديداً لهيمنته، خصوصاً داخل الجيش الذي يُعدّ الركيزة الأهم للنظام.

قائمة الرؤوس الكبيرة

الضربة جاءت قاسية بحجم الأسماء التي شملتها. أبرزهم:

  • خه ويدون، نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية.
  • مياو هوا، رئيس دائرة العمل السياسي في اللجنة.
  • خه هونغجون، نائبه الأول.
  • وانغ شوبين، نائب رئيس مركز القيادة العملياتية المشتركة.
  • لين شيانغيان، قائد منطقة العمليات الشرقية.
  • تشين شوتونغ، المفوض السياسي للقوات البرية.
  • يوان هوا تشي، المفوض السياسي للبحرية.
  • وانغ هووبين، قائد قوات الصواريخ.
  • وانغ تشوننينغ، قائد قوات الشرطة الشعبية.

الأبرز بينهم خه ويدون، الرجل الذي كان يُنظر إليه باعتباره «الرقم اثنين» في الجيش وعضواً في المكتب السياسي. اختفاؤه عن الأنظار منذ الربيع الماضي أثار الشائعات، إلى أن أكّدتها السلطات رسمياً.

حرب ضد الفساد أم تصفية سياسية؟

تصف بكين ما يجري بأنه «إنجاز في معركة الحزب ضد الفساد»، لكن المراقبين يرونه عملية سياسية بامتياز. فشي جينبينغ يكرر دعوته إلى «تطهير الحزب ليبقى نقياً ومنضبطاً وقادراً على الحكم إلى الأبد». غير أن ثمن هذه «النقاء» واضح: نظام أكثر انضباطاً، لكنه أيضاً أكثر هشاشة وأقل قدرة على المبادرة.

الأنظار تتجه الآن إلى اجتماع اللجنة المركزية في 20 أكتوبر، لمعرفة من سيظهر في القاعة ومن ستبقى مقاعدهم فارغة. فعدد الغائبين قد يكشف عمق الزلزال الذي يضرب مفاصل السلطة في الصين.

الجيش مرآة النظام

جيش التحرير الشعبي ليس مجرد قوة مسلحة، بل هو عمود فقري للنظام. فمبدأ «الحزب يقود البندقية» الذي صاغه ماو تسي تونغ لا يزال يحكم العلاقة بين السلطة والجيش. الجيش ليس مؤسسة وطنية بالمعنى الغربي، بل هو جناح الحزب المسلح، وولاؤه للقيادة الحزبية هو حجر الأساس لاستقرار النظام.

لهذا السبب، فإن أي حملة تطهير داخل الجيش هي عمل سياسي بامتياز. وما يجري اليوم يتجاوز قضية فساد إلى عملية إعادة ترتيب عميقة في توازنات القوة داخل النخبة العسكرية.

سقوط خه ويدون: رمز صعود وانهيار عصر

سقوط خه ويدون ليس حادثاً عابراً. فهو أول نائب لرئيس اللجنة العسكرية منذ السبعينيات يواجه التحقيق وهو في منصبه. مسيرته المهنية كانت نموذجاً للعصر الشخصاني لشي جينبينغ، إذ جمعته به علاقات قديمة منذ خدمتهما في فوجيان وتشجيانغ. صعوده السريع من قيادة المنطقة الشرقية – المسؤولة عن الجبهة تجاه تايوان – إلى موقع الرجل الثاني في الجيش عام 2022 جسّد الثقة المطلقة التي منحه إياها الرئيس. وقد لعب دوراً محورياً في المناورات العسكرية الواسعة حول تايوان عام 2022 بعد زيارة نانسي بيلوسي، ما جعله وجهاً لسياسة الحزم الصينية.

لكن سقوطه اليوم يعني أكثر من نهاية مسؤول متهم بالفساد. إنه تفكيك جناحٍ داخل المؤسسة العسكرية كان يملك رؤيته الخاصة لدور الجيش وحدود سلطة الحزب عليه.

الفساد كقناع للتمرد السياسي

اللغة التي استخدمتها الاتهامات الرسمية تثير الانتباه: «الإضرار بمبدأ قيادة الحزب للسلاح»، «المساس بسلطة رئيس اللجنة العسكرية»، «الإخلال بالولاء السياسي». هذه ليست عبارات تتعلق بالمال العام، بل مصطلحات مستمدة من قاموس الصراعات الحزبية في ثلاثينيات وخمسينيات القرن الماضي.

وهذا يشير إلى أن بكين رصدت داخل الجيش توجهاً فئوياً يسعى لبناء «جيش داخل الجيش»، أي مراكز نفوذ مستقلة لا تخضع مباشرة لسلطة شي جينبينغ. التطهير هنا إذن وقائي بقدر ما هو عقابي، يهدف إلى منع أي تحدٍّ مستقبلي للقيادة.

سلطة بلا ضمانات

منذ وصول شي إلى الحكم عام 2012، أُقيل أو حوكم أكثر من 13 ألف ضابط ومسؤول عسكري، بينهم وزيرا دفاع وعدد كبير من قادة المناطق والأسلحة الاستراتيجية. هذا الحجم من الإقصاءات يدل على أن ما يحدث ليس طارئاً، بل نهج دائم يقوم على إزالة كل ما يمكن أن يشكّل مركز قوة موازٍ للزعيم.

بهذه الطريقة يصبح النظام أكثر انضباطاً وأقل تعددية، لكنه أيضاً أكثر حساسية تجاه الأزمات. فكما قال الباحث نيل توماس من «معهد آسيا سوسيتي»: «ثمن سلطة شي أن النظام أصبح أنظف وأكثر انضباطاً، لكنه أيضاً أكثر حذراً... وأحياناً أكثر هشاشة».

بهذا المعنى، تبدو الإمبراطورية وهي تشحذ سيفها، لكنها تفعل ذلك بيدٍ ترتجف من فرط السيطرة.

التركيز الخارجي: كيف تغيّر حملة التطهير في الجيش الصيني إستراتيجية بكين وتوازن القوى العالمي

إعادة تأسيس السلطة كأداة في السياسة الخارجية

في الثقافة السياسية الصينية، لا وجود لخط فاصل صارم بين الداخل والخارج. فكل قرار داخلي كبير يحمل بالضرورة دلالةً خارجية. وحملة التطهير الواسعة في جيش التحرير الشعبي ليست استثناء، بل جزء من عملية إعادة تصميم إستراتيجية تهدف إلى جعل المؤسسة العسكرية أكثر انضباطاً وقابلية للسيطرة في زمن تصاعد الضغوط الدولية وتفاقم المنافسة بين القوى الكبرى.

شي جينبينغ يربط مشروعه السياسي بما يسميه «الهدفين المئويين»: تحويل الصين بحلول عام 2049 إلى قوة عظمى مكتملة الأركان وتحقيق «النهضة الوطنية الكبرى». ولتحقيق ذلك، لا تقل القوة العسكرية أهمية عن النمو الاقتصادي. لذا فإن إقصاء الجنرالات غير الموثوقين لا يُعدّ تنظيفاً داخلياً فحسب، بل خطوة مدروسة لبناء ذراع خارجية أكثر ولاءً وخضوعاً.

الجيش الصيني يجب أن يكون قوياً، حديثاً، والأهم من ذلك يمكن التنبؤ بتصرفاته. فهذه السمة هي مفتاح الاستقرار في أي أزمة قادمة، خصوصاً في الملفات الحساسة مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي.

تايوان: الاختبار الأول للتركيبة العسكرية الجديدة

يبقى مضيق تايوان الميدان الأوضح الذي ستظهر فيه نتائج حملة التطهير. فالمنطقة الشرقية للجيش، التي كان يقودها خه ويدون، تمثل رأس الحربة في أي عملية محتملة لـ«إعادة توحيد» الجزيرة مع البرّ الصيني.

وفقاً لتقارير البنتاغون، كان خه يشرف مباشرة على مناورات أغسطس 2022 الضخمة التي جاءت رداً على زيارة نانسي بيلوسي لتايبيه. تلك المناورات كانت الأكبر في تاريخ الجيش الصيني حول الجزيرة، وشملت محاكاة حصارٍ بحري وجوي وضربات دقيقة على أهداف تمثّل البنية التحتية التايوانية.

إزاحة خه ورفاقه تحمل أبعاداً إستراتيجية متعددة:
أولاً، القيادة العسكرية في جبهة تايوان ستُعاد هيكلتها لتكون تحت السيطرة الكاملة لشي جينبينغ. القادة الجدد سيحصلون على سلطات محدودة وتوجيهات سياسية صارمة.
ثانياً، عملية التخطيط لأي تحرك عسكري ستصبح أكثر مركزية وسياسية، ما يقلل خطر الارتجال من قبل الجنرالات لكنه يحدّ من مرونة القرار الميداني.
ثالثاً، قد يعيد شي النظر في توقيت أي خطوة تجاه تايوان. فبدلاً من استعجال القوة، سيركز على بناء جيش منضبط تماماً قبل أي مواجهة محتملة.

بهذا المعنى، لا تلغي الحملة خيار الحل العسكري، لكنها ترجئه لصالح تعزيز الجاهزية والسيطرة. فضمّ تايوان بالنسبة لبكين ليس مجرد نصر عسكري، بل فعل رمزي يؤكد شرعية النظام، ولا يمكن المخاطرة به في ظل انقسامات داخل الجيش.

بحر الصين الجنوبي: اختبار لأسلوب القوة الجديدة

الميدان الثاني المتأثر هو بحر الصين الجنوبي، حيث يمتزج الأمن البحري بالهيمنة الجيوسياسية. السيطرة على هذه المنطقة تعني ضمان طرق التجارة البحرية وإبعاد الولايات المتحدة عن غرب المحيط الهادئ.

في السنوات الماضية تمتّع قادة البحرية بهامش من الاستقلال، وكانوا وراء تكتيكات «المنطقة الرمادية» باستخدام خفر السواحل والسفن المدنية لمضايقة فيتنام والفلبين وماليزيا. لكن حملة التطهير قد تغيّر قواعد اللعبة عبر ثلاث نقاط رئيسية:

  • تركيز القرار العسكري بيد اللجنة العسكرية المركزية، ما يجعل أي تصعيد «ذكياً» ومخططاً على مستوى أعلى.
  • تعزيز التنسيق مع الدبلوماسية الصينية، بحيث ترافق الضغوط العسكرية رسائل طمأنة اقتصادية لدول آسيان.
  • التحول نحو أدوات ضغط جديدة مثل الهجمات السيبرانية والابتزاز التجاري في إطار إستراتيجية هجينة.

بهذا، قد يصبح بحر الصين الجنوبي مختبراً لنمط جديد من القوة الصينية: أكثر انضباطاً وأقل فوضوية، لكنه أيضاً أكثر منهجية وبرودة في التنفيذ.

رسائل إلى واشنطن وحلفائها

حملة التطهير في الجيش الصيني ليست شأناً داخلياً فحسب، بل رسالة إلى الخارج أيضاً. فمع تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة، يريد شي أن يبرهن أن الجبهة الداخلية أغلقت تماماً وأن أي تهديد بالانقسام أو التمرد قد جرى استئصاله.

لكن الرسالة مزدوجة الوجه لواشنطن. فهي من جهة تعني أن بكين تستعد لمواجهة طويلة المدى، ومن جهة أخرى تكشف عن قلق داخلي دفين: إذا اضطر الزعيم الصيني لإقصاء أعلى قياداته، فهذا يعني وجود تردد داخل النخبة حيال مسار المواجهة.

الأمر يتقاطع مع توسّع التحالفات الأمريكية مثل AUKUS وتكثيف التدريبات المشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث زادت بنسبة 27% منذ عام 2023، وبلغت النفقات العسكرية الأمريكية هناك نحو 140 مليار دولار سنوياً. وفي مواجهة هذا المشهد، تريد بكين أن تقول: جيش التحرير سيكون أكثر انضباطاً، أنقى ولاءً، وجاهزاً لمعركة طويلة مع الغرب.

الملف النووي: السيطرة على الزرّ الأخير

جانب آخر لا يقل حساسية هو مستقبل الإستراتيجية النووية الصينية. بين الأسماء المُقالة كان قائد قوات الصواريخ وانغ هووبين، المسؤول عن الترسانة النووية الإستراتيجية.

تأتي هذه الإقالة في لحظة توسّع نووي غير مسبوقة، إذ تشير تقارير البنتاغون إلى أن الصين تخطط لرفع عدد الرؤوس النووية من نحو 500 إلى أكثر من 1000 بحلول عام 2030.

تغيير القيادة في هذه القوة الحساسة يوحي برغبة شي في إحكام قبضته الشخصية على الملف النووي. ومن المحتمل أن يترتب على ذلك:

  • زيادة الرقابة السياسية على قرار استخدام السلاح النووي، ما يضمن الانضباط لكنه قد يبطئ الاستجابة.
  • تعديل عقيدة «الردع الأدنى» نحو نهج أكثر مرونة يشبه المقاربتين الروسية والأمريكية.
  • إعادة النظر في خطط الانتشار وربطها بالسيناريو التايواني واستخدام العامل النووي كورقة ضغط سياسية.

ثلاثة مسارات محتملة بعد العاصفة

تفتح حملة التطهير أمام الصين ثلاثة سيناريوهات إستراتيجية للسنوات القادمة:

السيناريو الأول: الصين الموحّدة.
يتمكّن شي من إحكام قبضته بالكامل على الجيش، فيصبح أكثر انضباطاً وولاءً. هذا السيناريو يمهّد لسياسة خارجية أكثر جرأة، قد تشمل خيار القوة تجاه تايوان بين 2030 و2035، ومواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة في المحيط الهادئ.

السيناريو الثاني: العملاق الهشّ.
التطهير المفرط يخنق روح المبادرة داخل الجيش ويؤدي إلى تراجع الكفاءة وظهور مقاومة صامتة. عندها تضطر بكين إلى التركيز على الاستقرار الداخلي وتأجيل أي مغامرات خارجية، ما يخفف خطر الحرب على المدى القصير لكنه يجعله أكثر احتمالاً مستقبلاً.

الصين بعد هذه العاصفة تقف بين خيارين: جيش مطيع يخضع بالكامل للإرادة السياسية، أو مؤسسة تخنقها الرقابة حتى تفقد روحها القتالية. وفي الحالتين، يبقى السؤال الأكبر هو كم من الوقت يمكن للإمبراطورية أن توازن بين قبضتها الحديدية ونبضها الحيوي.

السيناريو الثالث: التحوّل الموجَّه.
يوظّف شي حملة التطهير لصناعة نخبة عسكرية جديدة تجمع بين الولاء والكفاءة. تنخرط الصين في تحديث شامل للجيش، تبني قوة عالية التقنية، وتستثمر في أدوات الضغط الهجينة. يبقى ملف تايوان على الطاولة، لكن بصيغة أكثر تعقيداً وتعدداً في المستويات: هجمات سيبرانية، حصارات مدروسة، وابتزاز اقتصادي محسوب.

هذه الحملة ليست «شأناً داخلياً صينياً». إنها حدث يلامس مباشرة بنية الأمن الدولي. المؤشر واضح: بكين تدخل مرحلة جديدة من صعودها، حيث تُعتبر التعبئة الداخلية شرطاً لازماً للتوسّع الخارجي. من جهة، تصبح الصين منافساً أكثر خطورة بجيشٍ ليس قوياً فحسب بل قابل للتحكم الدقيق. ومن جهة أخرى، تنكشف هشاشتها البنيوية: ارتهان القرار لإرادة سياسية واحدة، خوف مزمن من استقلالية المؤسسات، ومخاطر رقابة ذاتية تخنق المبادرة داخل النخبة.

بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، تفرض اللحظة استراتيجية تعامل جديدة مع الصين تأخذ في الاعتبار قوتها كما تأخذ في الحسبان نقاط ضعفها الداخلية. وعلى العالم أن يلتقط الإشارة: زمن «صعود الصين» يتحوّل إلى زمن «تركيز السلطة»، ومعه تُفتَح صفحة جديدة من المنافسة الدولية.

الإسقاط الخارجي: ما الذي على اللاعبين الكبار فعله.
الفرضية المركزية هنا أن حملة التطهير ليست حملة عابرة على الفساد، بل إعادة تشكيل سياسية وتنظيمية لآلة الحرب الصينية على نموذجٍ أكثر صرامة ومركزية في صناعة القرار. هذا يقلّص احتمالات التصعيد غير المأذون تكتيكياً، ويرفع احتمالات التصعيد المقصود إستراتيجياً عندما يأتي الأمر من مركز ضيق ومنضبط. هنا تلوح نافذة للفاعلين الخارجيين لضبط سياساتهم بدقة فيما تنهمك بكين في «شدّ حلقات القيادة» وإعادة معايرة مسارحها: تايوان، بحر الصين الجنوبي، قوات الصواريخ.

1) الولايات المتحدة: الردع من دون كسر الهشاشة.
المهمة. الحفاظ على الردع الإستراتيجي في منطقة الهندي–الهادئ من دون دفع جيشٍ «مسيّس ونقي» بنظر قيادته إلى استعراضٍ قتالي خلال العامين إلى الثلاثة المقبلة.
التوصيات.
– إظهار متماسك لكن هادئ لتماسك تحالفات AUKUS وسواها، خصوصاً في الدفاع الصاروخي والدرع المضادة للصواريخ.
– بناء «نوافذ خفض التصعيد» عبر قنوات دائمة بين الأساطيل الأمريكية والصينية لمنع الحوادث غير المقصودة.
– «معايرة» الضغط الاقتصادي: ضوابط تصديرية تدريجية بلا صدمات تدفع بكين إلى مغامرات.
– تعزيز القدرات اللامتناظرة لتايوان في الدفاع الجوي، الأمن السيبراني، والمنصات المتحركة.
– التخاطب مع بكين بلغة الغموض الإستراتيجي: تمسّك قوي بالوضع القائم من دون رسم خطوط حمراء مباشرة.

2) الاتحاد الأوروبي: استقلال إستراتيجي بلا أوهام.
المهمة. الحفاظ على منفذٍ إلى السوق والتكنولوجيا الصينيتين من دون تمويلٍ غير مباشر لتسريع تحديث جيش التحرير أو تعريض بنى أوروبا التحتية للخطر.
التوصيات.
– «خفض المخاطر» قطاعياً، خصوصاً في الطاقة، النقل، والتقنيات العليا، مع تشديد الرقابة على الاستخدام المزدوج.
– إعطاء أولوية للأمن السيبراني ومعايير 5G/6G وتنسيقها مع الناتو.
– تنشيط المبادرات الدبلوماسية مع آسيان وبناء صيغ لوجستية وبيئية جديدة للتعاون.
– توسيع الحوار الاقتصادي والتقني مع تايوان في أمن المعلومات وسلاسل التوريد.

3) تركيا: توازن البحر الأسود وذراع ممتدة في آسيا.
المهمة. تعظيم دور الوسيط متعدد الحركات بين الشرق والغرب، مع الحفاظ على الاستقلالية وتعزيز القاعدة العسكرية–الصناعية.
التوصيات.
– إضفاء طابع مؤسسي على مشاورات الدفاع الصاروخي والجوي والطائرات المسيّرة في حوض البحر الأسود.
– دفع مشاريع «الموانئ الذكية» وأمن منظوماتها للحد من التبعية التقنية.
– تنمية متأنية للشراكات مع آسيان في بناء السفن واللوجستيات.
– فتح قنوات تعاون جديدة مع تايوان وكوريا الجنوبية عند مستويات المورّدين من الدرجة الثانية والثالثة.

4) روسيا: غواية الارتهان.
المهمة. الحفاظ على الوصول إلى الأسواق والتكنولوجيا الصينية من دون التحوّل إلى هامشٍ تام، والإبقاء على هامش مناورة إستراتيجية.
التوصيات.
– تنويع المحور الشرقي عبر الهند وفيتنام وإندونيسيا.
– تقليص الاعتماد على الواردات الرمادية ورفع الامتثال كي لا تصبح موسكو عبئاً على بكين.
– توطين إنتاج المكونات الأساسية والتركيز على «الانتصارات الصغيرة» في مجمع الصناعات العسكرية.

أفق 3–5 أعوام: خلاصات أساسية.
– مرجّح تأجيل سيناريو تايوان إلى ما بعد استكمال توحيد حلقات القيادة داخل الجيش الصيني بين 2026 و2028.
– في بحر الصين الجنوبي، ستنتقل بكين من الارتجال إلى تكتيكٍ منهجي منسّق سياسياً.
– تشديد القبضة على قوات الصواريخ قد يقود إلى تعديلٍ دقيق في العقيدة النووية.
– ستزداد تداخلات القطاعات المدنية والعسكرية داخل الصين، وسيغدو ضبط التصدير أداة دائمة في السياسة.
– ما دامت بكين منشغلة بإعادة التموضع الداخلي، أمام اللاعبين الخارجيين فسحة زمنية لتعزيز معايير الأمن والصلابة السيبرانية والمرونة اللوجستية.

الوسوم: