...

في 14 أكتوبر 2025، عاد العالم ليشهد مشهدًا كان يُظنّ أنه من بقايا القرن العشرين: الجيش في مدغشقر أعلن استيلاءه على السلطة وحل مؤسسات الدولة. الكولونيل مايكل راندريانيرينا، ممثل الفيلق النخبوي "كابسات" (CAPSAT)، خرج عبر الإذاعة الوطنية قائلاً: "لقد استلمنا السلطة". وفي شوارع العاصمة أنتاناناريفو، حيث كانت احتجاجات الشباب مستمرة منذ أسابيع، سيطر الجنود على القصر الرئاسي، فيما أفادت وسائل الإعلام أن الرئيس أندري راجويلينا غادر البلاد.

لكن ما جرى لم يكن مجرد انقلاب إفريقي عابر. إنه إشارة إلى تحوّل عميق في بنية السلطة في القارة، وتآكل الصيغ السياسية ما بعد الاستعمارية، وبداية موجة جديدة من الصدامات الأيديولوجية والجيوسياسية. والسؤال الذي يطرحه المحللون اليوم: هل ما حدث في مدغشقر أزمة داخلية محدودة أم أنه مؤشر على عملية شاملة لإعادة تشكيل إفريقيا كفضاء استراتيجي في القرن الحادي والعشرين؟

الإجابة عن هذا السؤال تتجاوز حدود المحيط الهندي. فاستقرار مدغشقر واتجاه تطوره يؤثران في طرق الملاحة البحرية في جنوب آسيا وشرق إفريقيا، وفي ميزان القوى في منطقة تمر عبرها نحو 30% من حركة الحاويات العالمية، كما ينعكسان على الاستراتيجيات البعيدة المدى لقوى كبرى مثل الولايات المتحدة والصين والهند وفرنسا.

سياق تاريخي: ستة عشر عامًا بعد الانقلاب الأول – الدائرة اكتملت

رمزية الحدث يصعب المبالغة فيها. ففي عام 2009 دعم الفيلق نفسه "كابسات" أندري راجويلينا، وكان حينها عمدة أنتاناناريفو، في صعوده إلى الحكم عبر انقلاب عسكري. يومها بدا الأمر حادثًا استثنائيًا في مرحلة انتقالية لديمقراطية ناشئة. أما اليوم، فالقوى نفسها التي أوصلت راجويلينا إلى القمة أطاحت به.

ليست هذه مجرد مفارقة تاريخية، بل تعبير عن الطبيعة الدورية للسياسة الإفريقية. فمنذ خمسينيات القرن الماضي شهدت القارة أكثر من 220 انقلابًا عسكريًا، منها نحو 45 في القرن الحالي. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة وحدها، عرفنا تسعة انقلابات ناجحة أو فاشلة في دول مثل مالي وبوركينا فاسو والغابون والنيجر.

مدغشقر هي الدولة الحادية عشرة إفريقيًا من حيث المساحة ويبلغ عدد سكانها نحو 30 مليون نسمة. تمتلك البلاد احتياطيات ضخمة من النيكل والكوبالت والغرافيت – وهي مواد أساسية للطاقة النظيفة وصناعة البطاريات. كما تتميز بموقع استراتيجي على مفترق طرق يربط المحيط الهندي بالمحيط الأطلسي الجنوبي وبالجانب الجنوبي من القرن الإفريقي. السيطرة عليها ليست مسألة داخلية فحسب، بل مسألة جيو-اقتصادية عالمية.

الاحتجاج كعرض لانقسام جِيلي عميق

الشرارة التي فجّرت الأزمة كانت مظاهرات حاشدة يقودها جيل الشباب – ما يُعرف بجيل "زد" – الذي نشأ في عالم العولمة الرقمية والفقر المزمن. ووفقًا للبنك الدولي، يعيش أكثر من 75% من سكان مدغشقر بأقل من دولارين في اليوم، وتتجاوز البطالة بين الشباب 32%.

ما بدأ كاحتجاج اجتماعي ضد الفساد وعجز السلطة سرعان ما تحول إلى حراك سياسي يطالب باستقالة الرئيس وإجراء انتخابات مبكرة وإعادة بناء النظام السياسي برمّته. بدعمها لهذا الحراك، خرجت المؤسسة العسكرية عن دورها التقليدي كأداة قوة، وطرحت نفسها كأداة لـ"استعادة الإرادة الشعبية" – وهي نغمة باتت ترافق الانقلابات الإفريقية الجديدة.

سؤال البحث وإطار التحليل

السؤال المحوري الذي تطرحه هذه التطورات هو: هل الانقلاب العسكري في مدغشقر جزء من عملية أوسع لتحوّل الأنظمة الإفريقية في زمن التنافس العالمي وتغير الأجيال؟ وكيف سيؤثر ذلك في ميزان القوى في المحيط الهندي والسياسة الدولية؟

الإجابة تقتضي تحليلًا متعدد المستويات – من ديناميات السياسة الداخلية في مدغشقر إلى الصراع العالمي على النفوذ في إفريقيا. وسيتمحور ما تبقى من المقال حول النقاط التالية:
– الأسباب الداخلية للأزمة وملامح "التدخل العسكري الجديد"
– دور القوى الخارجية والأهمية الجيو-اقتصادية لمدغشقر
– السيناريوهات المستقبلية وتداعياتها على الأمن الإقليمي والدولي
– توصيات استراتيجية للدول والمؤسسات

انقلابات من نوع جديد: من "الاستيلاء بالقوة" إلى "أداة التغيير الاجتماعي"

ما يجري اليوم في مدغشقر ليس انقلابًا كلاسيكيًا على طراز الحرب الباردة، حين كانت الجيوش، مدفوعة بطموحات جنرالات أو بضغط خارجي، تطيح بالحكومات لتقيم ديكتاتوريات عسكرية. الانقلابات الإفريقية الحديثة باتت أكثر طابعًا اجتماعيًا وسياسيًا وتسعى إلى اكتساب شرعية باعتبارها استجابة لمطالب الشعب.

في كلمته قال الكولونيل راندريانيرينا: "الحراك وُلد في الشارع، وعلينا أن نحترم مطالبه". هذه ليست عبارة عابرة. الجيش يحاول تقديم نفسه ليس كـ"مغتصب للسلطة" بل كحكم في أزمة الشرعية وكـ"وصي مؤقت" على المرحلة الانتقالية. ومن هنا وعوده بتشكيل حكومة مدنية وتنظيم انتخابات خلال "18 شهرًا إلى عامين".

هذا النهج يعكس توجّهًا أوسع: الانقلابات في القرن الحادي والعشرين باتت تُنفذ ليس ضد المجتمع، بل معه. إنها تتحول إلى أداة لإعادة تشغيل المنظومة السياسية عندما تعجز المؤسسات القائمة عن مواجهة التحديات المتفاقمة – من الضغط الديموغرافي إلى الفوارق الاجتماعية وانهيار الخدمات العامة.

انهيار النموذج ما بعد الاستعماري وأزمة شرعية الدولة

جذور عدم الاستقرار السياسي في مدغشقر أعمق من شخصية راجويلينا أو خصوصية الأزمة الحالية. فالبلاد تمثل نموذجًا كلاسيكيًا للدولة ما بعد الاستعمارية التي صُممت مؤسساتها للإدارة لا للتنمية.

هذا النموذج الموروث عن فرنسا، والذي أعادت إنتاجه النخب المحلية، كان يقوم على تركيز السلطة في يد دائرة ضيقة – غالبًا حول الرئيس ومحيطه. المنافسة السياسية كانت شكلية، والبرلمان ثانوي الدور، والقضاء تابع للسلطة التنفيذية.

لعقود طويلة استند هذا النظام إلى تسوية بين النخب والجيش يمكن وصفها بـ"الاستقرار السلطوي". لكن هذا التوازن بدأ يتهاوى في القرن الحالي. فمن جهة، تضاعف عدد سكان مدغشقر تقريبًا منذ عام 2000، في حين بقيت القاعدة الاقتصادية عاجزة عن مواكبة هذا النمو. ومن جهة أخرى، غيرت العولمة والثورة الرقمية توقعات الناس جذريًا: المجتمع لم يعد مستعدًا لقبول الفساد والتفاوت والاستبداد.

وفقًا لاستطلاع "أفروباروميتر" عام 2024، يرى 71% من سكان مدغشقر أن حكومتهم "لا تمثل مصالح الشعب"، ويؤيد 62% إصلاحًا جذريًا للنظام السياسي. نحن إذن أمام أزمة شرعية للدولة نفسها، وهي الأزمة التي جعلت من الانقلاب العسكري يُنظر إليه ليس كخرق للنظام، بل كوسيلة لإعادته.

انقسامات داخلية وصعود الجيش كلاعب سياسي

أحد أهم العوامل التي أدت إلى سقوط نظام راجويلينا كان الانقسام داخل النخبة، خصوصًا بين الرئاسة والأجهزة الأمنية. الفيلق "كابسات" – أحد أعمدة الجيش – كان يعتبر نفسه "ضامن الاستقرار" ويمتلك طموحات سياسية مستقلة.

في البداية كان مواليًا للرئيس، لكنه بدأ يبتعد عنه مع تفاقم الفساد في الحكومة وفضائح توزيع عقود استخراج الكوبالت والنيكل وتراجع مستوى معيشة الضباط. محاولة راجويلينا في عام 2024 تغيير قيادة الفيلق وتقليص ميزانية الجيش بنسبة 12% عجّلت القطيعة.

هكذا ظهرت ثلاثة مراكز قوة:
– الرئيس ودائرته المقربة الساعون للتمسك بالسلطة بأي ثمن.
– قيادة الجيش التي تقدم نفسها كـ"منقذ وطني".
– حركات مدنية جديدة تطالب بديمقراطية جذرية.

سقوط راجويلينا كان نتيجة صدام هذه القوى الثلاث، وفيه خرج الجيش منتصرًا بفضل احتكاره القوة ودعمه من الشارع.

تفاعل متسلسل في السياق الإفريقي: القاعدة لا الاستثناء

من المهم التأكيد أن أزمة مدغشقر ليست حالة فريدة. إنها جزء من موجة أوسع اجتاحت إفريقيا بين 2020 و2025، حيث شهدت القارة انقلابات في مالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر والسودان وتشاد والغابون. القاسم المشترك في كل هذه الحالات هو انهيار نموذج الدولة ما بعد الاستعمارية وتزايد الضغط الاجتماعي وعجز النخب عن التكيف.

مدغشقر ليست سوى حلقة جديدة في هذه السلسلة، لكن أهميتها تتجاوز السياسة الداخلية. فبعكس دول الساحل أو إفريقيا الوسطى، تقع مدغشقر في المحيط الهندي – منطقة تتحول بسرعة إلى واحدة من أهم ساحات التنافس العالمي. لذلك، فإن ما يحدث في أنتاناناريفو ستكون له تداعيات أوسع بكثير من حدود الجزيرة.

خلاصة مرحلية

الأسباب الداخلية لانقلاب مدغشقر لا تقتصر على التدهور الاقتصادي وضعف الدولة. إنها نتاج صدام بين نموذج قديم ما بعد الاستعمار وجيل جديد وطاقة اجتماعية جديدة ومنطق سياسي مختلف، حيث لم تعد المؤسسة العسكرية مجرد أداة قمع بل أصبحت وسيطًا سياسيًا.

البعد الجيوسياسي: مدغشقر كعقدة للتنافس العالمي

إذا كانت الأسباب الداخلية تفسر لماذا وقع الانقلاب، فإن العوامل الخارجية تفسر أهميته. ما يجري في أنتاناناريفو ليس أزمة محلية، بل انعكاس لصراع عالمي على الفضاء الاستراتيجي في المحيط الهندي، الذي تمثل فيه مدغشقر حلقة محورية. هنا تتقاطع مصالح أربع قوى كبرى – الولايات المتحدة والصين وفرنسا والهند – ترى كل منها في الجزيرة جزءًا من استراتيجيتها طويلة الأمد في جنوب إفريقيا وفي الجغرافيا الاقتصادية العالمية.

الموقع الجيوستراتيجي: بوابة المحيط الهندي

مدغشقر ليست مجرد جزيرة ضخمة مساحتها 587 ألف كيلومتر مربع، بل عقدة جيوستراتيجية تتحكم في طرق الملاحة بين شرق إفريقيا وجنوب آسيا والقطب الجنوبي. ففي المياه شرق الجزيرة تمر:
– نحو 30% من حركة الحاويات العالمية.
– قرابة 40% من واردات الصين والهند من النفط.
– الخطوط البحرية التي تربط موانئ شرق إفريقيا بقناة السويس وإندونيسيا.

قرب مدغشقر من مضيق موزمبيق – أحد أهم الممرات البحرية في العالم – يجعلها نقطة ارتكاز محتملة للسيطرة على الجناح الجنوبي للمحيط الهندي. وفي حال إقامة قاعدة بحرية هناك، ستتمكن أي قوة عظمى من التحكم ليس فقط بالملاحة، بل أيضًا بالوصول إلى الموارد الهيدروكربونية الغنية في قناة موزمبيق وسواحل تنزانيا.

فرنسا: المتروبولية التي لا تغادر

تمثل مدغشقر بالنسبة لفرنسا أهمية خاصة، ليست تاريخية فقط بل استراتيجية أيضًا. فالجزيرة كانت جزءًا من إمبراطوريتها الاستعمارية حتى عام 1960، ولا تزال باريس تعتبرها عنصرًا في سياسة "فرانسافريك" – شبكة النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري غير الرسمية في مستعمراتها السابقة.

تحافظ فرنسا على حضور واسع في المنطقة: قاعدة بحرية في ريونيون، مشاريع اقتصادية كبيرة، برامج ثقافية، وشبكات استخباراتية فعالة. الشركات الفرنسية تسيطر على نحو 30% من صادرات النيكل والكوبالت من مدغشقر، كما أن باريس تدعم النخب المحلية الموالية للغرب.

سقوط راجويلينا شكّل إنذارًا لفرنسا، التي تخشى تكرار سيناريوهات مالي والنيجر، حيث قلّصت السلطات الجديدة الحضور الفرنسي وتوجهت إلى شركاء آخرين. وفي 15 أكتوبر، دعت وزارة الخارجية الفرنسية إلى "إعادة النظام الدستوري" ولوّحت بإمكانية فرض عقوبات إذا رفض الجيش خطة المرحلة الانتقالية.

لكن نفوذ باريس اليوم أضعف بكثير مما كان عليه قبل عقدين. فقد تراجع حضورها العسكري في إفريقيا بشكل حاد: خلال السنوات الخمس الأخيرة اضطرت القوات الفرنسية للانسحاب من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وانخفض مستوى الثقة بفرنسا في المجتمعات الإفريقية إلى أقل من 30%.

الصين: استراتيجية المواد الخام واللوجستيات

تنظر الصين إلى مدغشقر بوصفها جزءًا مهمًا من مبادرة "الحزام والطريق". فمنذ عام 2017 استثمرت بكين أكثر من 1.2 مليار دولار في اقتصاد الجزيرة، بما في ذلك تحديث ميناء تواماسينا، وبناء طرق ومحطات كهرباء. كما تشارك الشركات الصينية بفعالية في استخراج الكوبالت والغرافيت – وهما من المواد الأساسية لصناعة البطاريات والطاقة النظيفة.

تتناسب القاعدة الخام لموارد مدغشقر مع الاستراتيجية الصينية الرامية لتقليل الاعتماد على إمدادات المواد الحيوية من مناطق غير مستقرة. فضلًا عن ذلك، يمكن للجزيرة أن تصبح مركزًا لوجستيًا يربط شرق إفريقيا بالموانئ الصينية، ما يعزز "طريق الحرير البحري".

حتى الآن امتنعت بكين عن التعليق المباشر على الانقلاب، لكن نشاطها الدبلوماسي في أنتاناناريفو ازداد بوضوح. الإعلام الصيني بدأ بالفعل بالتأكيد على "حق الشعب المدغشقري في تقرير مصيره" – وهي الصيغة التي استخدمتها الصين عقب الانقلابات في مالي والنيجر، حيث نجحت في الحفاظ على وجودها الاقتصادي رغم التغيرات السياسية.

الولايات المتحدة: المحيط الهندي كجزء من استراتيجية احتواء الصين

مدغشقر لا تمثل أهمية كبرى لواشنطن في حد ذاتها، بل كجزء من استراتيجية أوسع لاحتواء الصين في المحيط الهندي. فبعد فشل سياسة "الحرب العالمية على الإرهاب"، باتت الولايات المتحدة تنقل مركز ثقل سياستها الخارجية نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وإفريقيا في هذا السياق لم تعد مجرد قارة موارد، بل ساحة للتنافس العالمي.

منذ عام 2022 عززت واشنطن وجودها العسكري في جزر المحيط الهندي: دعّمت قاعدة دييغو غارسيا، ووسعت تعاونها مع سيشل وموريشيوس. وتعتبر مدغشقر منصة محتملة للوجستيات البحرية ومراقبة النشاط الصيني في المنطقة.

ردّ الولايات المتحدة على الانقلاب كان حذرًا لكنه لافت: وزارة الخارجية دعت إلى "انتقال سلمي وعودة إلى الحكم الديمقراطي" دون إدانة مباشرة لتحرك الجيش. وهذا يشير إلى أن واشنطن قد تكون مستعدة للتعامل مع النظام الجديد، طالما أنه لا يتقارب مع بكين ولا يحد من الحضور الأمريكي.

الهند: الجناح الجنوبي لعمقها الاستراتيجي

بالنسبة للهند، تشكل مدغشقر عنصرًا في سياسة "الأمن والنمو للجميع في المنطقة" (SAGAR)، التي تهدف لتعزيز دورها كقوة بحرية في المحيط الهندي. تعمل نيودلهي على توسيع تعاونها البحري مع الدول الجزرية، وإنشاء محطات مراقبة، وبناء "حزام أمني" حول سواحلها.

البحرية الهندية أجرت بالفعل مناورات مشتركة مع نظيرتها المدغشقرية، وفي عام 2023 افتتحت نيودلهي أول مركز إقليمي لها على الجزيرة لمراقبة طرق الملاحة البحرية. تغيير السلطة قد يسرّع هذه الاستراتيجية أو يبطئها، وكل شيء يتوقف على موقف الإدارة الجديدة من الحضور الهندي.

الاتحاد الإفريقي واللاعبون الإقليميون: أزمة شرعية آليات العمل

رد فعل الاتحاد الإفريقي كان متوقعًا: أدان "التغيير غير الدستوري للسلطة" وعلّق عضوية مدغشقر حتى تشكيل حكومة انتقالية. لكن خلف هذه التصريحات الصاخبة يختبئ خلل أعمق في بنية المؤسسة نفسها.

فالاتحاد الإفريقي خلال السنوات الخمس الأخيرة أدان جميع الانقلابات لكنه لم يتمكن من منع أي منها، ما يقوّض شرعيته ويثير الشكوك حول قدرته على لعب دور الحكم في الأزمات السياسية. ومع تراجع فعالية هذه الآليات، تتزايد أدوار القوى الخارجية التي تملأ فراغ النفوذ بشكل متزايد.

خلاصة مرحلية: أهمية مدغشقر الجيوسياسية تتجاوز حدودها الداخلية

السيطرة على الجزيرة تعني السيطرة على الجناح الجنوبي للمحيط الهندي، وعلى الموارد الحيوية من المعادن الأساسية، وعلى طرق التجارة البحرية العالمية. ومن ثمّ، فإن الصراع على السلطة في أنتاناناريفو ليس مجرد مسألة داخلية، بل فصل من فصول المواجهة الكبرى بين الولايات المتحدة والصين، تحاول فيه فرنسا والهند الحفاظ على نفوذهما أو توسيعه.

السيناريوهات المحتملة: من "الانتقال الموجّه" إلى اضطراب جيوسياسي جديد

الانقلاب في مدغشقر ليس حدثًا منتهيًا، بل بداية عملية طويلة ومعقدة ستحدد نتيجتها مستقبل الجزيرة وتوازن القوى في المحيط الهندي. وكأي أزمة سياسية في نقطة تلاقي المصالح الداخلية والخارجية، يمكن أن تتطور في مسارات متعددة. وفيما يلي ثلاثة سيناريوهات مرجحة تمثل الطيف الممكن من النتائج وتداعياتها على الدولة والمنطقة والنظام العالمي:

السيناريو الأول: انتقال موجّه – الجيش يمسك بزمام السلطة وينظم انتخابات

الجوهر: يشكل الجيش لجنة إدارة مؤقتة وحكومة مدنية انتقالية، يفرض الاستقرار، وينظم خلال 18 إلى 24 شهرًا انتخابات يشارك فيها ممثلو النخب القديمة والحركات المدنية الجديدة.

الاحتمال: 45% – 50%

العوامل الداعمة لهذا السيناريو:
– الدعم الشعبي الواسع بعد سنوات من حكم راجويلينا.
– استعداد الجيش للتعاون مع حركات الشباب.
– مصلحة القوى الخارجية (الولايات المتحدة والهند) في الحفاظ على الاستقرار لضمان أمن طرق الملاحة.
– براغماتية الصين واستعدادها للتعامل مع أي نظام لا يهدد مصالحها الاقتصادية.

النتائج المحتملة:
– إضفاء شرعية تدريجية على التدخل العسكري كـ"أداة انتقال شعبي".
– ظهور مشهد سياسي جديد يحتفظ فيه الجيش بتأثير كبير في صناعة القرار.
– زيادة الدعم الخارجي، بما في ذلك برامج قروض من صندوق النقد والبنك الدوليين، بشرط الالتزام بـ"خارطة طريق ديمقراطية".
– خفض التوتر السياسي واستئناف النمو الاقتصادي بحلول عام 2027.

المخاطر:
– احتمال أن يطيل الجيش أمد المرحلة الانتقالية.
– إمكانية نشوء "أوليغارشية مدنية – عسكرية" جديدة.
– خطر عودة النخب القديمة إلى الحكم تحت لافتة جديدة.

السيناريو الثاني: تفتت جيوسياسي – اللاعبون الخارجيون يحوّلون مدغشقر إلى ساحة تنافس.

الجوهر: يتعثر مسار الانتقال، تنشب خلافات داخل لجنة الحكم العسكرية، وتبدأ الفصائل المختلفة في البحث عن رعاة خارجيين. الولايات المتحدة والصين وفرنسا والهند ترفع منسوب تدخلها، كلٌّ خلف قوة محلية بعينها، فتدخل البلاد طور التفتت الجيوسياسي وترتفع مستويات التوتر.

الاحتمال: 30–35%.

العوامل التي ترجّح هذا السيناريو:
– غياب موقف موحد داخل القيادة العسكرية.
– مساعي النخب القديمة للعودة عبر بوابة الدعم الفرنسي.
– تنامي نشاط الشركات الصينية وتأثيرها في القطاعات الاقتصادية الحساسة.
– إصرار واشنطن على منع تمدد بكين وباريس في منطقة ذات قيمة استراتيجية عالية.

النتائج المحتملة:
– تحوّل مدغشقر إلى «رقعة شطرنج جيوسياسية» تُستخدم فيها القوى المحلية كأدوات في صراع خارجي.
– ازدياد الاضطراب السياسي وتباطؤ وتيرة التعافي الاقتصادي.
– تعمّق الارتهان للقروض والمساعدات العسكرية من الخارج.
– خطر إنشاء منشآت عسكرية أجنبية تحت لافتات «مراكز لوجستية» أو «بعثات إنسانية».

المخاطر:
– احتدام العداء بين أجنحة المجلس العسكري.
– احتمال اندلاع صدامات موضعية.
– انزلاق الجزيرة إلى صراع بالوكالة على غرار السودان أو ليبيا.

السيناريو الثالث: زعزعة وارتداد – انهيار الانتقال ودخول البلاد في أزمة شاملة.

الجوهر: غياب التوافق بين المؤسسة العسكرية والحركات المدنية يفتح الباب على فوضى سياسية. تعجز الحكومة الانتقالية عن إدارة البلاد، تنهار المؤشرات الاقتصادية، ويعود الشارع إلى الاحتجاج بزخم أكبر. احتمال انقلاب جديد وارد – هذه المرة من داخل الجيش نفسه.

الاحتمال: 20–25%.

العوامل المساعدة:
– انعدام قاعدة مؤسسية صلبة للانتقال.
– تفاقم التنافس بين حركات الشباب والعسكر على قيادة المرحلة.
– تصاعد السخط الاجتماعي بفعل التدهور الاقتصادي.
– تدخل قوى خارجية تدعم أطرافًا متنازعة.

النتائج المحتملة:
– عدم استقرار طويل الأمد وتعمّق الأزمة الاقتصادية.
– تحوّل البلاد إلى «منطقة رمادية» مع خطر تمدد العنف إلى الأقاليم.
– انهيار الاستثمارات وتآكل البنية التحتية وتزايد الضغط الهجري على الدول المجاورة.
– فقدان السيطرة الاستراتيجية على طرق المحيط الهندي وعودة نشاط القرصنة.

المخاطر:
– تفكك الدولة إلى جيوب إقليمية.
– أزمة إنسانية وتدخل قوات حفظ سلام تابعة للاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة.
– تأخر تنموي مزمن وفقدان فرصة الاندماج في الاقتصاد العالمي.

خلاصة مرحلية: نافذة فرص ونافذة مخاطر.

تقف مدغشقر اليوم عند مفترق طرق. قد تصبح نموذجًا لـ«نظام انتقال جديد» في إفريقيا إذا نجح العسكر في تحويل تدخلهم إلى أداة لتجديد المؤسسات. وقد تنقلب الصورة رأسًا على عقب إذا عجز اللاعبون المحليون عن التفاهم، وإذا حولت القوى الخارجية الأزمة إلى ساحة تنافس عالمي. الاختيار بين هذين المسارين لن يرسم مستقبل الجزيرة فحسب، بل سيؤثر في ديناميات المحيط الهندي الذي يصعد كأحد أهم مسارح الجغرافيا السياسية في القرن الحادي والعشرين.

خلاصات وتوصيات استراتيجية: كيف نجعل من أزمة مدغشقر نقطة انعطاف.

استيلاء فيلق «كابسات» بقيادة الكولونيل مايكل راندريانيرينا على السلطة ليس شذوذًا محليًا، بل عرض لتحول بنيوي أعمق: نموذج الجمهوريات ما بعد الاستعمار، شديدة الرئاسية وضعيفة المؤسسات، استنفد رصيد شرعيته. وبعدته الهندية–المحيطية، يمنح أي صدع داخلي وزنًا عالميًا مضاعفًا. خلال أربع وعشرين ساعة من إعلان الجيش «تسلّم السلطة» وحل المؤسسات – باستثناء الغرفة الدنيا – تباينت الإشارات بين تعهد راندريانيرينا بالعودة إلى الحكم المدني والانتخابات، وبين بيانات مضادة من إدارة أندري راجويلينا ترفض الخطوة القسرية، وهو ما رصدته كبريات الوكالات والصحف.

اقتصاديًا واجتماعيًا، تبقى مدغشقر بين أفقر دول العالم. وبحسب تقديرات البنك الدولي الأخيرة، يعيش نحو 80% من السكان تحت خط الفقر الدولي 2.15 دولار يوميًا (بحسابات 2017)، وارتفعت معدلات الفقر الحضري خلال العقد الماضي. هذا هو «الوقود» الذي يشعل الأزمات السياسية.

أما الجيو–اقتصاد، فيرفع سقف الرهانات: ما يصل إلى 80% من شحنات النفط البحرية وجزء معتبر من حركة التجارة العالمية يمران عبر المحيط الهندي. ومدغشقر عقدة طبيعية للتحكم في المنافذ الجنوبية وفي مضيق موزمبيق، ما يجعلها عنصرًا حاسمًا في استراتيجيات الولايات المتحدة والصين وفرنسا والهند.

وفي ما يلي خلاصة مركزة وتوصيات عملية للفاعلين الرئيسيين على أفق 18–24 شهرًا من دورة الانتقال:

1) ماذا يعني «ملف مدغشقر» للقارة وللقوى العالمية؟

1.1. نمط جديد من «التدخل العسكري».
الجيوش لم تعد تقدّم نفسها كديكتاتوريات، بل كحَكَم مؤقت يتعهد بانتقال مدني وانتخابات خلال 18–24 شهرًا. في مدغشقر، جاء هذا التعهد صريحًا في بيانات «كابسات»، بما يعيد إنتاج نمط موجة الانقلابات الأخيرة في الساحل وإفريقيا الوسطى، ولكن على مسرح جديد: جزيرة في قلب المحيط الهندي.

1.2. أزمة شرعية بنيوية.
تراكم هشاشة المؤسسات مع فرط الرئاسية وجمود الدخل وتوسع الفقر الحضري يصنع طلبًا اجتماعيًا على تغيير قواعد اللعبة لا مجرد تدوير النخب. أرقام الفقر ومسار السنوات الماضية تؤكدها مراجعات البنك الدولي.

1.3. المحيط الهندي كساحة القيادة في التنافس الاستراتيجي.
أي قرار يتعلق بالجزيرة يمر عبر عدسات واشنطن وبكين وباريس ونيودلهي: من تغذية سلاسل «الطاقة النظيفة» بالنيكل والكوبالت والغرافيت (بما فيها أمباتوفي) إلى اللوجستيات والمراقبة البحرية.

2) توصيات عملية خلال مرحلة الـ18–24 شهرًا.

2.1. للخارطة الانتقالية داخل مدغشقر.
– إنشاء «مجلس انتقال اقتصادي–اجتماعي» بتمثيل للشباب والقطاع الخاص والمجتمع المدني، مهمته ضبط أولويات الإنفاق ومكافحة الفساد في العقود التعدينية.
– ربط الشرعية بالتقويم: جدول واضح للانتخابات والإصلاحات القانونية، مع آلية رقابة مشتركة بين القضاء والمجتمع المدني.
– حماية القطاعات الحساسة (الموانئ، الاتصالات، المناجم) بقوانين شفافة تمنع الاحتكار وتلزم بالإفصاح العام.

2.2. لصندوق النقد والبنك الدولي والشركاء الثنائيين.
– تحويل الدعم من قروض مشروطة تقشفية إلى «حزم صمود» مرتبطة بمؤشرات خدمات أساسية: كهرباء، مياه، نقل محلي.
– تمويل بنية تحتية صغيرة عالية الأثر في المدن الثانوية لتقليل الضغط على العاصمة وامتصاص البطالة الشبابية.

2.3. للاتحاد الإفريقي ومجموعات الإقليم.
– الانتقال من بيانات الإدانة إلى «بعثة مرافقة انتقال» بخبرة دستورية ولوجستية، مع تفويض وساطة بين الجيش والحركات المدنية.
– حظر أي إنشاءات عسكرية أجنبية خلال المرحلة الانتقالية إلا بقرار إفريقي جامع يضمن الشفافية والرقابة.

2.4. للولايات المتحدة والصين وفرنسا والهند.
– تبريد سباق النفوذ عبر «مدونة سلوك للمحيط الهندي الجنوبي» تمنع عسكرة الموانئ التنموية وتُلزم بعلنية عقود الموارد.
– مواءمة الاستثمارات في التعدين مع برامج تصنيع محلي خفيف لرفع القيمة المضافة وخلق وظائف للشباب.

3) خط أحمر ومكاسب سريعة.

3.1. الخط الأحمر: عسكرة الانتقال.
أي محاولة لتحويل «المراكز اللوجستية» إلى قواعد عسكرية ستفجّر التوازن وستغري الفصائل الداخلية بالاحتماء بالخارج، ما يفتح الباب لسيناريو التفتت.

3.2. المكاسب السريعة خلال 100 يوم.
– إصلاحات إجرائية في الجمارك والموانئ لخفض كلفة الشحن.
– مراجعة عاجلة لعقود التعدين الأكثر إثارة للجدل مع نشر الملخصات العامة.
– برنامج نقد مقابل عمل لصيانة الطرق الريفية وتخفيف البطالة الموسمية.

الخلاصة: إن تحويل أزمة مدغشقر إلى نقطة انعطاف يتطلب من الداخل تثبيت قواعد انتقال شفافة ومحددة زمنيًا، ومن الخارج كبح شهوة الاصطفاف وصوغ قواعد لعبة مشتركة في المحيط الهندي. بين «انتقال موجّه» و«تفكك جيوسياسي»، تبقى النافذة مفتوحة – لكنها لن تبقى كذلك طويلاً. نقطة على السطر.

1.4. تراجع فاعلية المنظومة القارية للاستجابة.

انعقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي على عجل وأبدى «قلقًا عميقًا»، غير أن آلية صلبة لإعادة تركيب النظام الدستوري ما زالت غائبة، في تكرار واضح لتجربة الأعوام الأخيرة.

  1. الأهداف الاستراتيجية خلال 18–24 شهرًا.
  1. تثبيت الاستقرار وتمدين المرحلة الانتقالية: الانتقال من لجنة عسكرية إلى حكومة مدنية تكنوقراطية وخارطة طريق انتخابية واضحة.
  2. كبح التفتت الخارجي: التنافس بين القوى مقبول، أما لعبة الوكلاء فمرفوضة؛ يجب أن تتجنب الجزيرة التحول إلى «رقعة شطرنج».
  3. عقد اجتماعي أدنى: تحسينات سريعة وملموسة في الكهرباء والمياه والنقل وأسعار السلع في العاصمة والمدن الكبرى. هذا أمر حاسم للحفاظ على تفويض الشارع.
  4. إصلاح المؤسسات: تحقيق توازن السلطات والتحصين من العودة إلى نموذج الفرط الرئاسي.
  5. اقتصاد المعادن الحرجة: صفقات «موارد مقابل تنمية»، وتعميق القيمة المحلية، واشتراطات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وشفافية العقود.
  1. التوصيات: من يفعل ماذا وبأي ترتيب.

3.1. اللجنة العسكرية/السلطات الانتقالية في مدغشقر.

R1. حزمة «استعادة الثقة» خلال 30 يومًا.
– إعلان «خارطة طريق انتقالية» تتضمن أربع محطات زمنية: تشكيل حكومة مدنية، إطلاق إصلاح انتخابي، موعد التسجيل والرقابة، ونافذة الاقتراع خلال 18–24 شهرًا.
– وقف فوري لملاحقة المحتجين السلميين، وإنشاء خلية مشتركة مع منصات الشباب (جيل زد) لتحديد أولويات الخدمات الحضرية. توجّه «كابسات» الأولي للاعتراف بمطالب الشارع ظهر إلى العلن ويجب تحويله إلى مؤسسات.

R2. صمّام أمان دستوري.
– تعديل انتقالي مؤقت يقيّد التشريع بالمراسيم ويُلزم برقابة برلمانية/قضائية، بما في ذلك على قرارات الحلّ، لتجنّب تكرار صدام الصلاحيات الذي برز في أكتوبر. هذا «درس عملي» لهندسة الضمانات القانونية.

R3. اقتصاد «الانتصارات السريعة».
– خمسة مشاريع خلال 180 يومًا: تحسين الكهرباء والمياه في أنتاناناريفو ومناطق الموانئ، صيانة المحاور المؤدية إلى المرافئ، عقد توريد وقود بآلية لتنعيم الأسعار، نقل مدعوم للسلع الأساسية، وإنعاش البنية السياحية. هذه إجراءات حاسمة في بلد يعيش 75–80% من سكانه تحت خط الفقر.

R4. «صفقات تنموية» في التعدين.
– مراجعة أو تمديد عقود النيكل/الكوبالت/الغرافيت مع ربطها بتوطين المعالجة الصناعية وإقامة مناطق صناعية قرب الموانئ؛ إلزام بالنشر العلني للمدفوعات والشروط وفق معايير مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، وتدقيق مستقل؛ وحزم اجتماعية للمجتمعات الساحلية والتعدينية. وزن الصادرات المعدنية ودور أمباتوفي يبرران إطارًا صارمًا للحوكمة البيئية والاجتماعية.

R5. أمن البحار وخفر السواحل.
– اتفاقات دوريات بـ«جغرافيا مشروطة»: مناورات مشتركة ونقاط لوجستية مسموحة، من دون قواعد دائمة؛ وتبادل بيانات الملاحة ومكافحة القرصنة عبر المراكز الإقليمية.

3.2. الحركات الشبابية والمجتمع المدني.

R6. ائتلاف «المدينة 2026».
– قائمة موحّدة لمطالب البنية التحتية تُرفع إلى السلطات الانتقالية: جداول ضخّ المياه والكهرباء، بيانات مفتوحة لمسارات الحافلات والتعرفة، ورصد لأسعار الغذاء.
– مؤشرات أداء «عبرية» علنية مع تقارير شهرية لحكومة التكنوقراط حول 10 مؤشرات لجودة الحياة، وإشراك مجموعات جامعية مستقلة في المتابعة.

3.3. الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية.

R7. من بيانات الإدانة إلى آليات التنفيذ.
– بديل الإدانة العامة هو خارطة طريق معيارية صادرة عن مجلس السلم والأمن: قائمة تحقق للانتقال بثلاث حزم (أمن، إنسانيات، انتخابات) مع «منسّقين مشاركين» مؤقتين من دول موثوقة في الإقليم؛ وحزمة عقوبات تُفعَّل فقط عند الإخلال بالمواعيد الضابطة. الاتحاد ركّز الأضواء على الملف، والخطوة التالية هندسة الأدوات.

R8. ممرات للاستثمار الإنساني والاجتماعي.
– منح سريعة متفق عليها مع الاتحاد الإفريقي والبنوك الدولية: تغذية مدرسية، عيادات، برامج مكافحة الملاريا، فرق صيانة لشبكات المياه. أدوات منخفضة الكلفة عالية الأثر في الشارع الحضري حيث تُحسم شرعية الانتقال.

3.4. المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي/صندوق النقد/بنك التنمية الإفريقي).

R9. «استعداد انتقالي» فوري.
– حزمة موجهة عاجلة تعادل 0.8–1.2% من الناتج لتمويل «الانتصارات السريعة» وحماية الأسر الفقيرة؛ موازيةً لدعم موازني مشروط بإصلاح حوكمة الشركات العامة والمشتريات وتنظيم التعرفة. تحديثات الفقر والمعطيات الماكروية تبرر نافذة دعم ذات أولوية.

R10. آلية معادن مشروطة بحوكمة ESG.
– أداة قروض وضمانات لتوطين معالجة النيكل/الكوبالت/الغرافيت، مع اشتراطات صارمة لمكافحة الفساد، ونشر العقود، ومحفزات بيئية واضحة.

3.5. القوى الخارجية.

الولايات المتحدة.
R11. «استقرار بلا قواعد».
– دعم أمن البحر والاستطلاع واللوجستيات دون نشر قواعد دائمة؛ تسهيل العملية الانتخابية (أمن السجلات الرقمية والرقابة)، والمشاركة في تمويل خدمات حضرية؛ والتنسيق مع البنك الدولي وصندوق النقد حتى لا تُزاح الأجندة المدنية بمنافسة مع الصين. اللهجة المتحفظة واقتران الملف بسردية الهندي–الهادئ مؤشر على هذا المسار.

الصين.
R12. «معادن مقابل تنمية – نسخة 2.0».
– تمديد الانخراط في أمباتوفي والبنية المينائية بشروط شفافة صارمة، ومكوّن محلي واضح، والتزامات اجتماعية؛ مع تجنّب منطق «المشتري الوحيد» لخفض المخاطر السياسية. خط بكين الاستثماري على الجزيرة مستقر بغضّ النظر عن هوية الحكم، لكنه يحتاج مظلة أوسع للحوكمة البيئية والاجتماعية.

فرنسا.
R13. «من فرانسافريك إلى شراكة خدمات».
– تركيز على البنية التحتية البلدية والصحة والتعليم بدل الوصاية الأمنية؛ وإعادة تعريف «ذراع ريونيون» كنقطة لوجستية مدنية للاستجابة للكوارث، وإلا سيتكرر الرفض الشعبي الذي شهدناه في الساحل. إشارات باريس التحذيرية مفهومة، لكن هوامش الضغط محدودة.

الهند
R14. «ساغار بلس»
– تعزيز الدوريات البحرية المشتركة وتبادل البيانات الملاحية وتدريب خفر السواحل؛ الاستثمار في حلول تكنولوجيا المعلومات للموانئ والجمارك؛ الخط السياسي: دعم الانتقال المدني والتنسيق مع الاتحاد الإفريقي. اهتمام نيودلهي بالجزر ومراكز الوعي البحري (MDA) يمثل رافعة لـ«الأمن بلا عسكرة».

  1. إدارة المخاطر: «الرايات الحمراء» للمرحلة الانتقالية

RF1. إطالة المهل الزمنية.
تجاوز نافذة الـ24 شهرًا دون مبررات واضحة يؤدي إلى تآكل التفويض وعودة المواجهة في الشارع.

RF2. «منطق الوكلاء».
أي محاولة لتحويل المنشآت اللوجستية إلى قواعد أجنبية بحكم الأمر الواقع ستؤدي إلى قيام تحالفات مضادة وزيادة احتمال وقوع حوادث في مضيق موزمبيق، وهو عقدة حيوية لنقل النفط والتجارة البحرية.

RF3. التراجع الاجتماعي.
إذا لم تتحسن الخدمات الأساسية والأسعار في العاصمة، فإن 75–80% من الأسر الفقيرة «ستصوّت في الشارع» ضد أي حكومة.

RF4. «عقود الأشباح» في التعدين.
الصفقات غير الشفافة في مجالات النيكل والكوبالت والغرافيت هي أقصر الطرق نحو فقدان الشرعية واندلاع النزاعات حول المناجم.

  1. مؤشرات النجاح (قائمة تحقق خلال 12 شهرًا)
  1. التقويم القانوني: اعتماد قانون دستوري انتقالي (تقييد المراسيم، رقابة مستقلة).
  2. حكومة مدنية: تم تشكيلها وتعمل وفق مؤشرات أداء معلنة.
  3. الخدمات الحضرية: خفض متوسط انقطاع الكهرباء اليومي في أنتاناناريفو بنسبة 30%، وضخ المياه وفق الجداول؛ نشر بيانات مفتوحة حول أعمال صيانة الشبكات.
  4. الانتخابات: لجنة مستقلة، سجل انتخابي منقّى، ومراقبة خارجية.
  5. الشراكة مع المؤسسات المالية الدولية: إطلاق «استعداد انتقالي» وبرامج اجتماعية موجهة.
  6. اتفاقات التعدين: نشر جميع المدفوعات والشروط، نسبة المكون المحلي، إطلاق مشاريع تجريبية للمعالجة.
  7. الأمن البحري: مناورات مشتركة وتبادل بيانات MDA دون ظهور قواعد أجنبية دائمة.

... مدغشقر ليست هامشًا جغرافيًا بل إحدى محطات الاختبار الكبرى في القرن الحادي والعشرين: هل تستطيع إفريقيا بناء نظام انتقالي شامل يكون فيه الجيش حكمًا مؤقتًا لا مركزًا جديدًا للأوليغارشية؟ هل يمكن تحويل الموارد إلى قيمة مضافة محلية بدلًا من ريع تصديري؟ وهل يمكن ضبط المنافسة العالمية بين القوى الكبرى بقواعد شفافة بدلاً من الانزلاق إلى «أرخبيل وكلاء»؟

النجاح يتطلب تناغم الجهود على ثلاثة مستويات: الوطني والقاري والعالمي. أما الفشل فسيعني نشوء بؤرة جديدة للاضطراب في قلب المحيط الهندي بكل ما يحمله ذلك من تداعيات مالية وإنسانية وأمنية على المنطقة والعالم.

الاختيار الاستراتيجي سيُحسم في المئة يوم المقبلة. النافذة موجودة، لكنها ضيقة.

الوسوم: