العزلة الدولية لإسرائيل لم تعد مجرّد شعارات سياسية أو خطابات دبلوماسية، بل تحوّلت إلى وقائع ملموسة تتجلّى في قرارات قضائية، خطوات تجارية ومالية، وإجراءات رمزية من قبل دول ومنظمات كبرى. ومع ذلك، فإن ما يُسمّى بـ«لحظة جنوب أفريقيا» – حين تحوّلت العقوبات والضغط الشعبي إلى منظومة شاملة لا تُقاوم – لم يتحقق بعد. ما يزال الدعم الأميركي في عهد الرئيس دونالد ترامب، إلى جانب الفيتو الأميركي في مجلس الأمن، وطبيعة الاقتصاد الإسرائيلي المعتمد على التكنولوجيا والخدمات، يشكّل كوابح أمام اكتمال تلك العزلة. لكن أوروبا وأميركا اللاتينية وضعتا بالفعل سلاسل ضغط متكاملة، فيما تصاعد التوتر في الخليج بعد استهداف قيادات من حماس في الدوحة، لينتقل ملف الأمن من خانة الدبلوماسية إلى خانة الاشتباك المباشر. إنها ليست «نسخة جديدة من حجر صحي على غرار الأبارتهايد في الثمانينيات»، لكنها أيضاً لم تعد مجموعة احتجاجات متفرّقة.
جغرافيا جديدة للاعتراف بفلسطين وعزل إسرائيل سياسياً
المنعطف الكبير وقع في 21 و22 سبتمبر 2025: بريطانيا، أستراليا وكندا اعترفت رسمياً بدولة فلسطين، فيما أعلنت فرنسا أنها ستفعل الشيء ذاته في 22 سبتمبر. هذه المرة الأولى التي تكسر فيها عدة دول من «مجموعة السبع» التوافق القديم وتمضي بشكل متزامن نحو الاعتراف. وفي أجواء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة و«إعلان نيويورك» الذي طالب بوقف فوري ومستدام لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن والشروع في حل الدولتين، جاءت هذه الموجة لتؤسس لخط دبلوماسي جديد: «السلام عبر الدولة الفلسطينية الحتمية». المسار وثّقته وزارة الخارجية الفرنسية ودوائر الأمم المتحدة بوثائق رسمية.
في المقابل، توسّعت دائرة الدول التي قطعت أو جمّدت عملياً علاقاتها مع إسرائيل: كولومبيا أنهت علاقاتها في مايو 2024، بوليفيا سبقتها في 2023، وتشيلي أخذت خطوات متدرجة من سحب الملحقين العسكريين إلى بحث منع استيراد منتجات المستوطنات.
المعركة القضائية: من لاهاي إلى المحاكم الوطنية
الجبهة القانونية باتت متعددة المستويات. أولاً، المحكمة الجنائية الدولية أصدرت في 17 سبتمبر 2025 مذكرات توقيف بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ما يضيّق هامش تحركاتهما في 124 دولة موقّعة على نظام روما. ثانياً، محكمة العدل الدولية، في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، فرضت تدابير مؤقتة منذ عامين تقريباً، منها ضمان وصول المساعدات الإنسانية ووقف الأفعال التي تحمل شبهة الإبادة. هذه الأحكام رغم طابعها غير الجنائي، لكنها تصنع إطاراً معيارياً يترجم لاحقاً إلى قيود وطنية. ثالثاً، المحاكم الوطنية لعبت دوراً مباشراً: محكمة الاستئناف في لاهاي ألزمت الحكومة الهولندية بوقف تصدير مكونات طائرات F-35 في فبراير 2024، فيما سمح القضاء البريطاني باستمرار الاستثناءات، ما يعكس انقساماً قضائياً يعيد رسم خرائط تجارة السلاح.
إلى ذلك، جاءت إدارة ترامب لتخفف الضغط: في يناير 2025 ألغت واشنطن عقوبات فرضها بايدن على مستوطنين متورطين في العنف، وفي يونيو فرضت عقوبات على أربعة قضاة في المحكمة الجنائية الدولية، لتضعف فعالية مبدأ الاختصاص القضائي العالمي.
الاقتصاد الأوروبي يضغط: من «الشراكة» إلى العقوبات المباشرة
الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، بحجم تبادل بلغ 42.6 مليار يورو عام 2024. هنا يكمن جوهر «الاقتصاد المعزول»: إذا فرضت أوروبا قيوداً جدية، فإن الأثر سيكون هائلاً. ففي 17 سبتمبر 2025 اقترحت المفوضية الأوروبية تعليقاً جزئياً لتفضيلات اتفاقية الشراكة، ما يعني إعادة رسوم جمركية على صادرات إسرائيلية بقيمة 5.8 مليار يورو، بالإضافة إلى عقوبات على وزراء متطرفين مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. بعض العواصم تعارض بشدة، خصوصاً برلين، لكن طرح الفكرة بحد ذاته يعكس تحوّلاً جذرياً.
بعض الدول تجاوزت بروكسل بخطواتها: بلجيكا فرضت حزمة شاملة تشمل حظر استيراد منتجات المستوطنات، مراجعة عقود مع شركات إسرائيلية، وتقييد المساعدة القنصلية لمستوطنيها، فضلاً عن إعلان بن غفير وسموتريتش شخصين غير مرغوب بهما. إسبانيا بدورها أقرّت عملياً حظراً على السلاح، منعت دخول المتورطين بجرائم غزة، وأغلقت موانئها وأجواءها أمام السفن والطائرات المحملة بالأسلحة لإسرائيل.
المال يجمد والعقوبات تردع
صندوق الثروة السيادي النرويجي، الأكبر في العالم بقيمة تريليوني دولار تقريباً، أعلن في أغسطس 2025 انسحابه من عشرات الشركات الإسرائيلية، واستبعد بالفعل 23 شركة خلال أسابيع. الخطوة مثّلت إشارة قوية لمديري الأصول العالميين حول خطورة المخاطر المرتبطة بإسرائيل. وكالات التصنيف أبقت تصنيفها على مستوى استثماري منخفض مع نظرة «سلبية»، رابطين التوقعات باستمرار الحرب وارتفاع الدين والعجز. أرقام وزارة المالية وبنك إسرائيل أظهرت عجزاً بلغ 6.9% من الناتج في 2024 وديوناً عند 69%، مع توقع عجز بـ 4.9% في 2025، ما يضيّق خيارات الحكومة.
المأساة الإنسانية محرك أساسي للقرارات السياسية
ما يجمع الدول خلف جبهة الضغط ليس «الملل من الحرب»، بل الأرقام الفاضحة لوكالات الأمم المتحدة. حتى منتصف سبتمبر 2025، تجاوز عدد القتلى في غزة 65 ألفاً، والجرحى 165 ألفاً، بحسب مكتب الشؤون الإنسانية نقلاً عن وزارة الصحة في غزة. وفي بعض المناطق سُجّلت حالات مجاعة بالمستوى الخامس (IPC 5). هذه الأرقام باتت لغة السياسة في البرلمانات والمحاكم ومجالس الوزراء.
الواقع الميداني – من الغارات اليومية وسقوط عشرات الضحايا – يواصل تغذية المشهد السياسي في بروكسل والعواصم الوطنية. وكل موجة تصعيد جديدة ترفع كلفة الصمت وتدفع باتجاه خطوات عملية: من تجميد الاستثمارات إلى فرض القيود التجارية. هكذا ترسم الحرب خطوط العزلة، خطوة بخطوة، وتدفع إسرائيل نحو واقع لم يعد بوسعها إنكاره.
الخليج العربي: بعد ضربة الدوحة… «التطبيع» يتحوّل إلى ملف أمني
في التاسع من سبتمبر 2025، شكّلت الضربة في الدوحة التي أودت بحياة قيادات من حماس زلزالاً دبلوماسياً بكل معنى الكلمة. قطر، التي كانت ساحة الوساطة الرئيسية، أصبحت فجأة طرفاً مباشراً في قلب الحدث، فيما سارعت دول مجلس التعاون للتنسيق على عجل، وأعلنت الولايات المتحدة وقطر في الوقت نفسه عن صفقة دفاعية جديدة. أما السعودية فقد وجّهت رسالة واضحة: أي خطوات أحادية لضم الضفة الغربية ستنسف تماماً سيناريوهات التطبيع. الوضع ليس قطيعة، لكنه أيضاً لم يعد «أعمالاً كالمعتاد».
الإمارات من جهتها اختارت النأي بنفسها عن عنف المستوطنين وقرارات الحكومة المتشددة، لتؤكد أن «اتفاقيات أبراهام» لا تعطي إسرائيل شيكاً على بياض. وهكذا ضاق «نافذة الفرص» التي فتحت بين 2020 و2022 لتتحول إلى مجرد تبادل براغماتي في الطاقة واللوجستيات، بلا أي مكاسب سياسية.
الرياضة والثقافة: الضغط الرمزي يعود إلى صدارة السياسة
ما كان غائباً عام 2023 عاد الآن بقوة: الضغط الرمزي. وزير الرياضة الإسباني دعا عملياً إلى إبعاد الفرق الإسرائيلية عن المنافسات، فيما شهدت أروقة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم نقاشات محتدمة حول احتمال تغيير مستضيف «يورو 2028» إذا بقيت إسرائيل ضمن مجموعة الاستضافة. أنماط التصويت داخل «يويفا» أظهرت أن «النموذج الجنوب أفريقي» ليس وهماً بل منطقاً يعود ليطبع سمعة الدول. وإلى جانب ذلك تتصاعد حملات المقاطعة الثقافية والسينمائية والموسيقية. صحيح أن المحاكم أحياناً توقف قرارات مثل «المقاطعات الأكاديمية»، لكن المزاج العام يتغير.
الطاقة والتشابكات الواقعية: لماذا «غياب النفط» عامل فارق
خلافاً لجنوب أفريقيا في الثمانينيات، لم يكن لإسرائيل ثقل في تصدير النفط أو الغاز المسال. رأسمالها الحقيقي هو حقول الغاز في شرق المتوسط، التي تتدفق أساساً إلى الأردن ومصر. ففي 2024–2025 ارتفع التصدير لهذين البلدين إلى 13.2 مليار متر مكعب (+13%)، وفي أغسطس 2025 وقّع ائتلاف «ليفياثان» مع مصر عقداً قياسياً بـ 35 مليار دولار، إلى جانب مشروع خط أنابيب جديد عبر نيتسانا. هذا يعني أن أي ضربة أوروبية عبر الرسوم الجمركية لن تمس واردات الطاقة الحيوية لأوروبا، بل ستوجّه إلى صادرات التكنولوجيا والصناعة الإسرائيلية. لذلك يظل الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، لكنه أيضاً مصدر الخطر الأكبر على صادراتها.
اقتصاد الحرب: الدين، التصنيفات، والقطاع الخاص
فاتورة الحرب تبتلع مئات المليارات. تقديرات بنك إسرائيل ووزارة المالية تشير إلى أن الكلفة بلغت 250–300 مليار شيكل بحلول منتصف 2024. العجز قفز إلى 6.9% من الناتج، والدين إلى نحو 69%. وكالة S&P أبقت توقعاتها «سلبية» بسبب مخاطر التصعيد والحرب الطويلة. أما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فرسمت في تقاريرها صورة أكثر تفاؤلاً لعام 2025 مع نمو بـ 3.3–3.5%، لكنها شددت على أن هامش الغموض «استثنائي». والنتيجة: ارتفاع كلفة التمويل، حذر الصناديق العالمية، وتعمّق ما يُعرف بـ«خصم الامتثال».
أين لحظة جنوب أفريقيا؟ وأين الفوارق؟
في حقبة الأبارتهايد، فرضت الأمم المتحدة قرارات ملزمة: القرار 418 (1977) أقرّ حظراً شاملاً على السلاح، والولايات المتحدة مرّرت «قانون مكافحة الأبارتهايد الشامل» (1986)، فيما وحّدت دول الكومنولث والحركة الأولمبية جبهة المقاطعة الرياضية. كان المشهد متكاملاً، مركزياً، ومؤسساتياً. اليوم، لا وجود لمثل هذه المنظومة؛ مجلس الأمن مشلول بالفيتو الأميركي، ما جعل الضغط يتحرك من الأسفل إلى الأعلى: من المفوضية الأوروبية، المحاكم الوطنية، الصناديق الاستثمارية، إلى نقابات الموانئ والاتحادات الرياضية. الحجم أصغر، لكن الامتداد أوسع، بفضل أدوات القرن الحادي والعشرين المالية والقانونية.
ولعل أقوى ما ضغط على جنوب أفريقيا لم يكن الذهب ولا الفحم، بل الحرمان من اللعب في الرجبي والمشاركة في الأولمبياد واستضافة العروض الفنية. إسرائيل اليوم تبدأ في تجرّع ذات المرارة.
«اليوروفيجن» كمؤشر على الاعتراف
مشاركة إسرائيل في مسابقة «يوروفيجن» كانت على مدى عقود رمزاً لانتمائها إلى «العائلة الأوروبية». منذ 1973 فازت أربع مرات، وكل مشاركة كانت بمثابة شهادة سياسية. الآن هذا الرمز على المحك: إيرلندا، إسبانيا، هولندا وسلوفينيا أعلنت أو لمّحت إلى مقاطعة نسخة 2026 إذا شاركت إسرائيل. القرار النهائي في ديسمبر، لكن مجرد تسييس المسابقة يشي بتحوّل عميق نحو عزل ثقافي متزايد.
هوليوود والمقاطعة السينمائية
في الولايات المتحدة، مركز الصناعة الثقافية، وُقّع خلال أسبوع واحد أكثر من أربعة آلاف توقيع على عريضة تدعو لمقاطعة شركات الإنتاج والمهرجانات الإسرائيلية «المتورطة في الإبادة والأبارتهايد». من بين الموقعين أسماء لامعة مثل إيما ستون وخافيير بارديم وعشرات الحائزين على الأوسكار. الرد الإسرائيلي كان متوقعاً: رئيس رابطة المنتجين السينمائيين تسفيكا غوتليب اعتبر استهداف المبدعين «خطأً فادحاً». لكن الأثر الرمزي لمثل هذه العرائض لا يقاس بالإيرادات بل بمكانة إسرائيل في المشهد الثقافي العالمي.
الرياضة: من الدراجات إلى الشطرنج
في سباق «فويلتا دي إسبانيا» قوبل فريق Israel-Premier Tech باحتجاجات أفضت إلى إلغاء التتويج. رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز اعتبرها «مدعاة للفخر»، فيما وصفتها المعارضة بـ«الفضيحة الدولية». في الشطرنج، انسحب سبعة لاعبين إسرائيليين من بطولة في إسبانيا بعد إخطارهم بعدم إمكانية اللعب تحت علمهم الوطني. هذه ليست قرارات اتحادات، بل ضغط مباشر من ساحات المنافسة نفسها.
الضغط الأوروبي من الداخل
داخل الاتحاد الأوروبي، الرياح تتغير. في 10 سبتمبر، قالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين في خطاب «حال الاتحاد» إن أحداث غزة «هزّت ضمير العالم». وفي اليوم التالي، وجّه 314 دبلوماسياً ومسؤولاً أوروبياً سابقاً رسالة مفتوحة لفون دير لاين ورئيسة الدبلوماسية الجديدة كايا كالاس، طالبوا فيها بتجميد كامل لاتفاقية الشراكة مع إسرائيل.
هذه ليست أصوات ناشطين في الشارع، بل نخب أوروبا التي صاغت سياستها الخارجية لعقود. حين يطالب هؤلاء بالقطيعة، فهذا مؤشر على شرعنة فكرة «الطلاق» الكامل مع إسرائيل على المستوى المؤسسي.
الخطاب وردود إسرائيل
إسرائيل تردّ بعنف لفظي، غالباً عبر الهجوم والاتهام. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وصف تصريحات بيدرو سانشيز بأنها «تهديد سافر بالإبادة الجماعية». وزير الخارجية جدعون ساعر اتهم أوروبا بـ«هوس معادٍ للسامية»، مؤكداً عبر شبكات التواصل أن «أوروبا، حتى عندما يقاتل إسرائيل من أجل بقائه، لا تستطيع التخلّص من انحيازها».
لكن المشكلة أن هذا الخطاب يعزز صورة إسرائيل كدولة عاجزة عن الدبلوماسية، ترى في كل انتقاد عداءً مطلقاً. وهو تكرار لنبرة جنوب أفريقيا في زمن الأبارتهايد، حين اعتبرت بريتوريا العقوبات «شكلاً من أشكال العنصرية ضد الأقلية البيضاء»؛ خطاب لم يؤدِّ سوى إلى تعميق عزلتها الدولية.
«تسونامي دبلوماسي» كواقع جديد
ما يجري اليوم تصفه وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية بـ«التسونامي الدبلوماسي». بخلاف الأزمات التقليدية التي كان يمكن احتواؤها بالمفاوضات السرية، الوضع الراهن يتراكم بشكل متسلسل:
- عقوبات دول منفردة كبلجيكا وإسبانيا تتحول إلى اتجاه عام.
- مبادرات المفوضية الأوروبية تؤسس لمشاريع قرارات مؤسساتية.
- المقاطعات الثقافية والرياضية تضرب الرصيد الرمزي لإسرائيل.
- الضغط القانوني من المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية يضيّق هامش المناورة.
هذه العوامل مجتمعة تشكّل ما يشبه تجربة جنوب أفريقيا: ليس قراراً واحداً بل «شبكة قرارات» تجرّد الدولة من غطاءها الدولي خطوة بعد أخرى.
أصوات الدبلوماسيين الإسرائيليين: بين القلق والتشكيك
المفارقة أن من يعبّر عن القلق علناً هم دبلوماسيون سابقون بارزون. جيريمي إيساخاروف، السفير الأسبق في ألمانيا، يعترف بأن مكانة إسرائيل الدولية «تضررت كما لم يحدث من قبل». لكنه يضيف أن كثيراً من إجراءات الضغط تُفهم كاستهداف للشعب كله لا للحكومة فقط، ما يجعلها «مؤسفة».
برأيه، الاعتراف بفلسطين كدولة قد يأتي بنتائج عكسية، إذ يمنح ذريعة لقيادات اليمين المتطرف مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير لتأكيد مقولتهم: «العالم ضدنا مهما فعلنا، والحل الوحيد هو ضم الضفة». هذه المعادلة يستخدمها اليمين منذ سنوات لتحويل الضغط الخارجي إلى أداة تعبئة داخلية. ومع ذلك، إيساخاروف يرى أن العزلة ليست نهائية: «لسنا في وضع جنوب أفريقيا أواخر الثمانينيات، لكننا نقف على العتبة». مجرد تداول التشبيه بالأبارتهايد داخل إسرائيل أصبح واقعاً سياسياً لم يكن مطروحاً قبل سنوات.
إيلان باروخ: العقوبات ضرورة
إيلان باروخ، السفير السابق في جنوب أفريقيا بعد سقوط الأبارتهايد، استقال عام 2011 لأنه «لم يعد قادراً على الدفاع عن الاحتلال». اليوم يقارن بصراحة ويقول: «هكذا أُجبرت جنوب أفريقيا على الركوع».
باروخ يؤيد العقوبات ويدعم كل خطوات أوروبا، حتى القيود على التأشيرات والمقاطعة الثقافية، ويرى فيها وسيلة لإعادة إسرائيل إلى «عائلة الأمم». بالنسبة له، وحدها «الدبلوماسية القسرية» الخارجية قادرة على كسر هيمنة اليمين المتطرف الذي يعيش على خطاب الخوف والحرب. هذه الرؤية تكشف الانقسام داخل النخبة الدبلوماسية الإسرائيلية: فريق يرى الضغط تهديداً للوحدة الوطنية، وفريق يعتبره خشبة خلاص من عزلة الحكومة الحالية.
التيار المتشكك: «حالات استثنائية لا قاعدة عامة»
في المقابل، لا يزال هناك من يشكك في عمق العزلة. دانييل ليفي، المفاوض السابق، يذكّر بأن مواقف إسبانيا وبلجيكا «استثناء لا قاعدة». فتعليق اتفاقية الشراكة أو إخراج إسرائيل من برنامج «هورايزن» العلمي يتطلب إجماعاً أوروبياً، وهو غير متوفر بسبب معارضة دول كألمانيا وإيطاليا والمجر. هذا يبرز الفارق الجوهري مع تجربة الأبارتهايد: هناك كان الإجماع شبه كامل، هنا الانقسام داخل الغرب واضح. والأهم أن الولايات المتحدة، بقيادة ترامب، لا تكتفي برفض العقوبات بل تحارب النظام القضائي الدولي نفسه، ما يجعل العزلة غير مكتملة.
الغطاء الأميركي كدرع استراتيجي
يبقى العامل الحاسم هو واشنطن. وزير الخارجية الجديد ماركو روبيو أكد خلال زيارته لإسرائيل أن العلاقات «صلبة كما كانت». الرسالة واضحة: من دون أميركا، لا عقوبات ملزمة في مجلس الأمن.
بل أكثر من ذلك، ترامب لم يكتفِ برفع قيود فرضها بايدن، بل استهدف المحكمة الجنائية الدولية مباشرة بفرض عقوبات على قضاتها. بالنسبة لإسرائيل، هذا بمثابة مظلة استراتيجية تمنع تحول الضغوط إلى نسخة مطابقة للسيناريو الجنوب أفريقي.
بين «نقطة اللاعودة» و«نافذة الفرص»
هكذا تبدو عزلة إسرائيل الدبلوماسية وكأنها عالقة في مرحلة وسطى. فمن جهة، العقوبات التي تفرضها دول أوروبية منفردة، والمقاطعات الثقافية والرياضية، وأحكام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، إلى جانب ضغوط الصناديق السيادية والشركات الكبرى، جميعها ترسم اتجاهاً ثابتاً نحو تضييق الخناق. ومن جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة وعدداً من القوى الأوروبية الكبرى تمنع تحوّل هذا الاتجاه إلى نظام إلزامي شامل.
النتيجة أن إسرائيل تعيش على الحافة: «لحظة جنوب أفريقيا» لم تصل بعد، لكن ملامحها تتجمع. كما قال دانييل ليفي: نتنياهو «يوشك على استنفاد نفسه»، لكن البلاد لم تبلغ بعد خط النهاية. الصورة دقيقة: «تسونامي دبلوماسي» اجتاح إسرائيل، لكنه لم يدمّر بعد ركائزها الاستراتيجية.
خلال أقل من عامين من الحرب على غزة، واجهت إسرائيل ضغطاً متزامناً على ثلاثة محاور: القانوني، الدبلوماسي-الاقتصادي، والمجتمعي-الثقافي. هذا التداخل يعيد إلى الأذهان تجربة الضغط على جنوب أفريقيا في نهايات الأبارتهايد، لكن مع اختلافات جوهرية ما زالت تبقي الوضع تحت عتبة «العزلة الكاملة».
المحور القانوني: الأكثر إيلاماً لتل أبيب
الشق القضائي هو الأكثر حساسية والأقل قابلية للسيطرة. مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو ويوآف غالانت ما زالت سارية، بعدما رفضت الغرفة التمهيدية في يوليو طلب إسرائيل إلغاءها أو تعليق التحقيق في ملف فلسطين. هذا يعني تضييق خريطة السفر الآمن لكبار المسؤولين، وخلق بيئة دائمة من المخاطر القانونية في أي دولة مستعدة لتطبيق المذكرات.
في المقابل، لجأت واشنطن إلى سلاح العقوبات ضد قضاة وموظفي المحكمة، محاولةً كبحها سياسياً، لكن ذلك لا يلغي آثارها في دول أخرى حيث عمل المحكمة غير معطّل. بهذا المعنى، انتقل الصراع من «السياسة» إلى «القانون»؛ تحول غير قابل للرجوع يعزز فكرة المساءلة الدولية مع كل واقعة جديدة.
الأساس الإنساني كوقود للضغط
على عتبة أغسطس – سبتمبر 2025 ارتفع منسوب التشدد في تقارير الأمم المتحدة: مكتب الشؤون الإنسانية حدّث أرقام الضحايا في غزة لتتجاوز عتبة 65 ألف قتيل، فيما أكدت تصنيفات الأمن الغذائي وصول بعض مناطق القطاع إلى «المرحلة الخامسة» – أي مجاعة فعلية. هذه المعطيات الموثقة – أعداد القتلى، خرائط الجوع، تقارير الدمار – أصبحت المرجع الذي يستند إليه السياسيون والمصارف والمحاكم لتبرير الإجراءات. ومعها تتحول البيانات إلى قرارات ومعايير قانونية وتجارية، بعدما كانت مجرد شعارات.
المحور الدبلوماسي-الاقتصادي الأوروبي
التحول الأبرز وقع منتصف سبتمبر حين طرحت المفوضية الأوروبية مقترحاً لتعليق التفضيلات الجمركية المنصوص عليها في اتفاقية الشراكة، ما يطال نحو 5.8 مليار يورو من صادرات إسرائيل للاتحاد ويعيد رسوماً تقارب 227 مليون يورو سنوياً. كذلك أوصت بعقوبات على بن غفير وسموتريتش وعدد من قادة المستوطنين. لكن التنفيذ يتطلب إجماع الدول الأعضاء، وهو غير متحقق بسبب معارضة ألمانيا وبعض عواصم وسط أوروبا. النتيجة: «عتبة جاهزية» لا أكثر، لكنها تغيير نوعي في الخطاب المؤسسي الأوروبي.
خطوات أحادية من عواصم أوروبية
إسبانيا بادرت بحزمة غير مسبوقة من تسع نقاط: حظر كامل على تصدير السلاح، إغلاق الموانئ والمطارات أمام السفن والطائرات المحملة بالأسلحة لإسرائيل، قيود على الاستيراد، ورفض تأشيرات للمتورطين بجرائم حرب. هذه ليست مجرد إشارات سياسية؛ منع عبور السلاح والوقود يمس خطوط الإمداد ويرفع الكلفة ويزيد المخاطر على أطراف ثالثة. رد تل أبيب جاء بلهجة نارية وقرارات متبادلة ضد وزراء إسبان، لكن المسار نحو «تأميم العقوبات» داخل الاتحاد الأوروبي بدأ يتشكل.
التحول في العالم الأنغلو-ساكسوني
في غضون يوم واحد فقط، أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، تنسيقاً قبيل أسبوع الجمعية العامة للأمم المتحدة. باريس بدورها أرسلت إشارات واضحة باستكمال الاعتراف. هذه ليست ولادة قانونية للدولة، لكنها إعادة توزيع حادة لرصيد الاعتراف الدولي، تفتح الباب لمساعدات مالية، شراكات أمنية، ومهام مراقبة. كلما التحقت مزيد من الدول الكبرى بهذا المسار، صار من الصعب عزله داخل الاتحاد الأوروبي أو مجموعة السبع.
المحور المجتمعي-الثقافي: عامل مضاعف
لم يعد مجرد خلفية، بل بات محركاً مستقلاً. مؤسسات ثقافية كبرى وهيئات رياضية ضخمة أثبتت أنها قادرة على تحويل الضغط إلى مقاطعة فعلية. التلفزيون الرسمي الإسباني صوّت للخروج من «يوروفيجن 2026» إذا شاركت إسرائيل؛ نذر مماثلة صدرت من هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وإيرلندا. في «فويلتا» الإسبانية، تسببت احتجاجات حاشدة ضد فريق إسرائيل-بريميير تيك في إلغاء حفل التتويج. وفي الشطرنج، انسحب سبعة لاعبين إسرائيليين من بطولة إسبانيا بعد إبلاغهم بعدم السماح باللعب تحت العلم الإسرائيلي.
هذه ليست قضايا «سمعة» فقط، بل حسابات مادية: الرعاة والاتحادات الرياضية يحسبون مخاطر تعطيل البطولات، تكاليف الأمن، والخسائر المعنوية. أي أن الضغط الثقافي لم يعد رمزياً بل تحوّل إلى عامل اقتصادي وسياسي ملموس.
دود الفعل في الخليج بعد ضربة الدوحة
القمة التي انعقدت في قطر دفعت مجلس التعاون الخليجي إلى استخدام لغة "الدفاع المشترك"، فيما طالب الأمير علناً باتخاذ "خطوات عملية". الصياغات ما زالت حذرة، لكن الرد تمثل في مشاورات لتعزيز منظومات الدفاع الجوي والصاروخي المشتركة، والتهديد بمراجعة صيغ التعاون، مع موجة جديدة من الشكوك في جدية الضمانات الأمنية الأميركية. ارتباط المنطقة بالاقتصاد واللوجستيات الإسرائيلية أضعف من ارتباط إسرائيل بالاتحاد الأوروبي، لكن في حال اتُّخذت خطوات عملية — مثل تشديد أنظمة الطيران والموانئ أو "التجميد الفني" لعناصر اتفاقيات أبراهام — فإن مستوى الضغط سيرتفع بشكل حاد.
التوازن الأميركي
في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يتمسك البيت الأبيض بخط "التحالف ثابت"، وهو ما تؤكده تصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو خلال جولته في إسرائيل والدوحة. في الوقت نفسه تحاول واشنطن الحفاظ على قنواتها مع قطر عبر تجديد اتفاقية الدفاع والحد من التداعيات الأكثر سُمّية لضربة الدوحة، لكن الرهان الاستراتيجي يبقى منصباً على إسرائيل. هذه "الدعامة" الأميركية تحول حتى الآن دون انتقال الضغط الأوروبي والدولي إلى مرحلة التنسيق الكامل والشامل.
ماذا تعني هذه التطورات بلغة "نقطة اللاعودة"
تجربة جنوب أفريقيا في أواخر الثمانينيات أظهرت أن لحظة الانهيار جاءت نتيجة أربعة مسارات مترابطة: القانوني (أنظمة العقوبات والتأشيرات وأوامر الاعتقال)، التجاري–المالي (الرسوم الجمركية، الحصص، خطوط الائتمان، لوائح الاستثناءات)، المؤسسي (الاستبعاد من برامج الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والاتحادات القطاعية)، والرمزي (الثقافة والرياضة). في الحالة الإسرائيلية، مساران يعملان بالفعل بشكل ثابت: القانوني (المحكمة الجنائية الدولية) والرمزي (الثقافة والرياضة). المسار التجاري–المالي يقترب من المستوى المنهجي، شرط أن يصادق مجلس الاتحاد الأوروبي على مقترح المفوضية بتعليق التفضيلات التجارية، وأن تتوسع الحزم الوطنية مثل النموذج الإسباني. أما المسار المؤسسي فما زال "قيد التشكل": النقاشات دائرة حول بعض البرامج البحثية والعقود، لكن الكتلة الحرجة من القرارات لم تكتمل بعد. ولهذا يبقى وضع إسرائيل "على أعتاب" السيناريو الجنوب أفريقي، لا في قلبه بعد.
المفاتيح التي قد تنقل المشهد إلى عزلة قاسية
العوامل المحركة معروفة وقابلة للقياس:
أولاً، القرار الرسمي من مجلس الاتحاد الأوروبي بشأن مقترح المفوضية وتوسيعه عبر خطوات متطابقة من عواصم أساسية مثل برلين وروما.
ثانياً، سلسلة الاعترافات المتتابعة بدولة فلسطين مع "ملاحق عملية" كالمهام الرقابية والصناديق الموجهة والتعاون الشرطي–القضائي.
ثالثاً، التطبيق العملي للمقاطعات الثقافية والرياضية بشكل "افتراضي" (انسحابات جماعية، تأجيلات، استبعادات) لا مجرد حالات فردية.
رابعاً، تنفيذ أوامر المحكمة الجنائية الدولية: يكفي حادثة اعتقال واحدة في دولة أوروبية صديقة للاتحاد كي يصبح المسار غير قابل للرجوع. كل ذلك يتغذى على الحقائق الإنسانية (الضحايا، الجوع) التي تتحول إلى "مبرر الضرورة" في خطاب السياسيين.
العوامل الكابحة
واضحة بدورها: أولاً، الموقف الأميركي الذي يشكل حتى الآن السند الأساسي لإسرائيل، ويمنع الاتحاد الأوروبي من تثبيت "مرساة" تنسيقية عبر الأطلسي. ثانياً، انقسام الاتحاد الأوروبي وخطوطه الحمراء الوطنية بشأن بعض أنواع الإجراءات. ثالثاً، استمرار الشكوك لدى حكومات أوروبية حول فاعلية "لحظة الاعتراف" بفلسطين كأداة للتأثير الفوري على قرارات الحرب الإسرائيلية. وأخيراً، أن لاعبي الخليج لم يحوّلوا بعد تصريحاتهم إلى خطوات ردعية صلبة، رغم أن الحرارة الدبلوماسية بلغت أعلى مستوياتها منذ أزمة 2017. هذه العوامل الثلاثة تضع "إطار الاحتمال" لحركة حكومة نتنياهو.
ما الذي قد يغير الاتجاه
المفارقة أن المقارنة مع بريتوريا تُظهر أيضاً "بوابة الخروج". يومها تحقق التحول عبر أربع ركائز: وقف الممارسات المصنفة "جرائم ممنهجة"، انفراجات إنسانية عاجلة، خطوات قابلة للتحقق نحو حل سياسي شامل، ومعالجة جزئية للملفات القضائية العالقة. ترجمة ذلك في السياق الإسرائيلي تعني: وقفاً ثابتاً لإطلاق النار مع رقابة متعددة الأطراف؛ وصولاً كاملاً للمنظومة الإنسانية إلى غزة مع ضمانات لوجستية؛ تجميداً رسمياً لتوسيع المستوطنات وأي مشاريع ضم؛ خريطة طريق متفقاً عليها مع الشركاء الرئيسيين نحو تسوية سياسية يندمج فيها ملف الاعتراف بفلسطين ضمن ترتيبات الأمن المرحلية؛ وإجراءات قضائية مستقلة لمعالجة الوقائع التي أصبحت محلاً لمطالبات قانونية دولية. مثل هذا التكوين سيضعف بقوة مبررات تصعيد العقوبات في أوروبا ويمنح واشنطن أساساً سياسياً لتعطيل أكثر المبادرات إيلاماً.
أما العكس — أي المضي في الخط الحالي: اقتحام بيئات حضرية كثيفة بلا مخارج إنسانية، التهديد بضم الضفة الغربية، العمليات العسكرية الصلبة خارج ميدان الصراع (على شاكلة ضربة الدوحة)، والتجاهل العلني لأوامر المحكمة الجنائية — فسيعجّل على نحو شبه مؤكد بانتقال الاتحاد الأوروبي من مرحلة النقاشات إلى التصويت والتنفيذ، وفي المجتمعات من حالات مقاطعة متفرقة إلى "قاعدة جديدة" من الإقصاء والرفض. في هذا المنطق، كل أسبوع إضافي من الحرب والجوع يرفع احتمال أن يلتحق المسار الاقتصادي (التجارة، المال، البرامج البحثية) بالمسارين القانوني والرمزي اللذين ترسّخا بالفعل.
إسرائيل تقف فعلاً على حافة دوامة العزلة الدولية ــ وهذا ما تؤكده القرارات القضائية، وتزايد الاعتراف بفلسطين، و"تجسّد" المقاطعة الثقافية والرياضية. غير أنّ "اللحظة الجنوب أفريقية" بمعناها الكامل لم تحل بعد، بالدرجة الأولى بفضل "الدعامة" الأميركية وتشتت الموقف داخل الاتحاد الأوروبي. لذلك تبقى الصورة مع نهاية أيلول/سبتمبر 2025 ليست حكماً نهائياً، بل مفترق طرق. نافذة خفض التصعيد ضيقة، لكنها واضحة المعالم: وصول إنساني غير مشروط، وقف إطلاق نار يمكن التحقق منه، خريطة طريق سياسية بمشاركة الوسطاء الرئيسيين، وحزمة دنيا من التعاون القانوني. وإذا لم يُستثمر هذا الهامش خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فإن "النقرة الأخيرة" قد تأتي من الجانب الأوروبي تحديداً ــ عبر انتقال الجزء التجاري والمؤسسي من مقترحات المفوضية إلى قرارات مُلزِمة من مجلس الاتحاد، وعندها سيكون من الأصعب بكثير منع الانزلاق إلى سيناريو جنوب أفريقيا.
ملاحظة ختامية: الخطاب مهم، لكن الحقائق هي التي تعيد تعريفه في كل مرة. ولهذا فإن مصادر أيلول/سبتمبر التي تشكّل "شاشات" لقرارات السياسة يجب التعامل معها كمؤشرات استشرافية لا مجرد خلفية: خطاب حالة الاتحاد لأورسولا فون دير لاين ("ما يحدث في غزة هزّ ضمير العالم")، الرسائل المفتوحة الموقّعة من مئات السفراء الأوروبيين السابقين، الاعترافات الرسمية بدولة فلسطين من لندن وأوتاوا وكانبيرا، مشروع المفوضية حول الرسوم والعقوبات، والمعطيات الأممية المثبتة عن الضحايا والمجاعة. هذه العناصر مجتمعة هي التي ترسم المسار: إما أن تدفع بإسرائيل نحو عزلة بنيوية، أو تمنح ــ إذا توفرت الإرادة السياسية ــ فرصة لخفض التصعيد بشكل مُدار.